لكان الأولى له أن يضحك على نفسه تارة ويبكي عليها أخرى، لأنه باستهزائه به عند بعض أراذل الناس عرض نفسه لأن يأخذ بيده ذلك الغير يوم القيامة على ملأ من الناس ويسوقه تحت السياط، كما يساق الحمار، إلى النار، مستهزئا به مسرورا بخزيه وتمكين الله تعالى إياه على الانتقام منه. فمن تأمل في ذلك، ولم يكن عدوا لنفسه، اجتنب عن السحرية والاستهزاء كل الاجتناب.
ومنها:
المزاح وأصله مذموم منهي عنه، وسببه إما خفة في النفس، فيكون من رذائل القوة الغضبية، أو ميل النفس وشهوتها إليه، أو تطييب خاطر بعض أهل الدنيا طمعا في مالهم، فيكون من رذائل القوة الشهوية. وسبب الذم فيه: أنه يسقط المهابة والوقار، وربما أدى إلى التباغض والوحشة والضغينة، وربما انجر إلى الهزل والاستهزاء، وأدخل صاحبه في جملة المستهزأ بهم، وربما صار باعثا لظهور العداوة - كما قيل - وربما جر إلى اللعب، قال رسول الله (ص): " لا تمار أخاك، ولا تمازحه "، وقال بعض الأكابر لابنه: " يا بني، لا تمازح الشريف فيحقد عليك، ولا الدني فيجترئ عليك "، وقال آخر: " إياكم والممازحة، فإنها تورث الضغينة وتجر إلى القطيعة ". وقال آخر: " المزاح مسلبة للبهاء، ومقطعة للأصدقاء ".
وقيل: " لكل شئ بذر، وبذر العداوة المزاح ". ومن مفاسد المزاح:
أنه سبب للضحك، وهو منهي عنه. قال الله تعالى:
" فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا " (16).
وقال رسول الله (ص): " إن الرجل ليتكلم بالكلمة فيضحك بها جلساءه، يهوي بها أبعد من الثريا "، وقال: " لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيرا ولضحكتم قليلا "، وهو يدل على أن الضحك علامة الغفلة عن الآخرة وقال بعض: " من كثر ضحكه قلت هيبته، ومن مزح استخف به، ومن