بمجرد ذلك، من دون قصد تكبر أو رئاسة أو عداوة أو غيرها من أسباب الحسد.
وقد تجتمع هذه الأسباب أو أكثرها في شخص واحد، فيعظم لذلك حسده، وتقوى قوة لا يقدر معها على المجاملة، فتظهر العداوة بالمكاشفة.
وربما قوي الحسد بحيث يتمنى صاحبه أن يزول عن كل أحد ما يراه له من النعمة، وينتقل إليه. ومثله لا ينفك عن الجهل والحرص، إذ هو يتمنى استجماع جميع النعم والخيرات الحاصلة لجميع الناس له، ولا ريب في استحالة ذلك، ولو قدر إمكانه لا يمكنه الاستمتاع بها، فلو لم يكن حريصا لم يتمن ذلك أصلا، ولو كان عالما لدفع هذا التمني بقوته العاقلة.
(تنبيه) بعض الأسباب المذكورة، كما يقتضي أن يتمنى زوال النعمة والسرور به كذلك يقتضي تمني حدوث البلية والارتياح منه. إلا أن المعدود من الحسد هو الأول والثاني معدود من العداوة. فالعداوة أعم منه، إذ هي تمني وقوع مطلق الضرر بالعدو، سواء كان زوال نعمة أو حدوث بلية. والحسد تمني زوال مجرد النعمة.
فصل لا تحاسد بين علماء الآخرة والعارفين الأسباب المذكورة إنما تكثر بين أقوام تجمعهم روابط يجتمعون لأجلها في مجالس المخاطبات ويتواردون على الأغراض، فإذا خالف بعضهم بعضا في غرض من أغراضه، أبغضه وثبت فيه الحقد، فعند ذلك يريد استحقاره والتكبر عليه، ويكون في صدد مكافأته على المخالفة لغرضه، ويكره تمكنه من النعمة التي توصله إلى أغراضه، فيتحقق الحسد. ولذا ترى أنه لا تحاسد بين شخصين في بلدتين متباعدتين، لعدم رابطة بينهما، إلا إذا تجاورا في محل واحد، وتواردا على مقاصد تظهر فيها مخالفة بينهما، فيحدث منهما التباغض، وتثور منه بقية أسباب الحسد. وترى كل صنف يحسد مثله دون غيره، لتواردهما على المقاصد، وتزاحمهما على صنعة واحدة. فالعالم يحسد العالم دون العابد، والتاجر يحسد التاجر دون غيره إلا بسبب آخر سوى الاجتماع على الحرفة، وهكذا يغم من اشتد حرصه على حب الجاه وأحب الصيت والاشتهار في جميع أطراف العالم وشقاق