وصل الورع عن الحرام ضد عدم الاجتناب عن الحرام التنزه والاحتياط عنه، وهو الورع بأحد إطلاقيه. فإن الورع قد يفسر بملكة التنزه والاجتناب عن مال الحرام أكلا وطلبا وأخذا واستعمالا، وقد يفسر بكف النفس عن مطلق المعاصي ومنعها عما لا ينبغي. فعلى الأول يكون ضدا لعدم الاجتناب عن المال الحرام، ويكون من رذائل قوة الشهوة، وعلى الثاني يكون ضدا لملكة الولوع على مطلق المعصية، ويكون من رذائل القوة الغضبية والشهوية جميعا.
ثم الظاهر أن التقوى مرادفة للورع، فإن لها أيضا تفسيرين: أحدهما:
الاتقاء عن الأموال المحرمة، وقد أطلقت التقوى في بعض الأخبار على هذا المعنى. وثانيهما: ملكة الاتقاء عن مطلق المعاصي، خوفا من سخط الله وطلبا لرضاه. فعلى الأول يكون ضدا لعدم التنزه عن المال الحرام ورذيلة للقوتين معا.
ثم اللازم على طريقتنا أن يذكر الورع والتقوى بالتفسير الأول هنا.
وبالتفسير الثاني في المقام الرابع الذي نذكر فيه ما يتعلق بالقوتين أو بالثلاث من الرذائل والفضائل. إلا أنا نذكر ما ورد في فضيلتهما هنا، لدلالة ما ورد في فضيلتهما بالتفسير الثاني على فضيلتهما بالتفسير الأول أيضا، ولعدم فائدة في استئناف عنوان على حدة لمطلق المعصية وذكر ما ورد في ذمها، ثم تذييلها بضدها الذي هو الورع والتقوى بتفسيريهما العام. إذ بعد ذكر جميع الأجناس والأنواع والأصناف من المعاصي والطاعات، بأحكامها ولوازمها وذمها ومدحها، لا فائدة لاستئناف ذكر مطلق المعصية أو الطاعة، إذ لا يتعلق بهما غرض سوى ذكر ما ورد في ذم مطلق المعصية، وما ورد في مدح مطلق الطاعة، وهذا أمر ظاهر لا حاجة إليه في كتب الأخلاق.
نعم، نشير إلى مطلق العصيان وضده، أعني الورع والتقوى بالمعنى الأعم، إجمالا، ضبطا للأنواع والأقسام.