كقول يوسف (ع):
" إجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم " (18).
حيث طلب المنزلة في قلب الملك بكونه حفيظا عليما، وكان صادقا في قوله. وكذا طلبهما بإخفاء عيب من عيوبه ومعصية من معاصيه، حتى لا يعلمه فلا تزول به منزلته في قلبه مباح غير مذموم، إذ حفظ الستر على القبائح جائز، بل لا يجوز هتك الستر وإظهار القبيح، وهذا ليس فيه كذب وتلبيس بل هو سد لطريق العلم بما لا فائدة للعلم به، كالذي يخفي عن السلطان أنه يشرب الخمر ولا يلقي إليه أنه ورع، فإن قوله إنه ورع تلبيس، وعدم إقراره بالشرب لا يوجب اعتقاد الورع، بل يمنع العلم بالشرب، وهو جائز شرعا وعقلا.
فصل دفع إشكال في حب المال والجاه إن قيل: الوجه في حبهما بالعرض وفي حب قدر ما يضطر إليهما في المعيشة وضرورة البدن ظاهر، فما الوجه في حبهما بأعيانهما وفي حب الزائد عن قدر الضرورة منهما؟ كحب جمع المال، وكنز الكنوز، وادخار الذخائر، واستكثار الخزائن وراء جميع الحاجات، وحب اتساع الجاه وانتشار الصيت إلى أقاصي البلاد التي يعلم قطعا أنه قط لا يطؤها ولا يشاهد أهلها ليعظموه ويعينوه على غرض من أغراضه، فإنه مع ذلك يلتذ به غاية الالتذاذ ويسر به غاية السرور، حتى لا يجد في نفسه لذة أقوى منه، ويراه فوق جميع لذاته وابتهاجاته.
قلنا: الوجه في ذلك أمران:
الأول - دفع ألم الخوف الناشئ من سوء الظن وطول الأمل. فإن الإنسان وإن كان له من المال ما يكفيه في الحال، إلا أنه لطول أمله قد يخطر بباله أن المال الذي فيه كفايته ربما يتلف فيحتاج إلى غيره، فإذا خطر ذلك بباله، هاج الخوف في قلبه، ولا يزول ألم الخوف إلا بالأمن الحاصل من وجود مال آخر يفزع إليه إن أصابت هذا المال آفة، فهو أبدا لحبه