أفشاه إلى من يقدر على قضاء حاجته فلم يفعل فقد قتله أما إنه ما قتله بسيف ولا رمح ولكنه قتله بما نكأ من قلبه ".
ثم لا ريب في أن كل من لم يجد القوت من التعفف وستر احتياجه هذا وصبر ورضي يكون داخلا تحت هذه الأخبار وتثبت له الفضيلة التي وردت فيها، ولا ريب في أن هذه صفة لا توجد في ألف ألف واحد.
وأما الفقير الحريص الذي يظهر فقره ويجزع معه، فظاهر بعض الأخبار وإن تناوله، إلا أن الظاهر خروجه منها كما أومأت إليه بعض الأخبار المذكورة وإن كان أحسن حالا من الغني الذي مثله في الحرص.
فصل الموازنة بين الفقر والغنى لا ريب في أن الفقر مع الصبر والقناعة وقصد الفراغ أفضل من الغنى مع الحرص والإمساك، كما لا ريب في أن الغنى مع الإنفاق وقصد الاستعانة على العبادة أفضل من الفقر مع الحرص والجزع، وإنما وقع الشك في الترجيح بين الفقر والغنى في مواضع:
(الأول) في الترجيح بين الفقر مع الصبر، والقناعة والغنى مع الإنفاق وقصد الاستعانة على العبادة، فقال قوم إن الأول أفضل، لما روي: " إن رسول الله (ص) قال لأصحابه: أي الناس خير؟ فقالوا: موسر من المال يعطي حق الله تعالى من نفسه وماله، فقال: نعم الرجل هذا وليس به المراد، قالوا فمن خير الناس يا رسول الله؟ فقال: فقير يعطي جهده "، وما روي: " إن الفقراء بعثوا رسولا إلى رسول الله (ص)، فقال: إني رسول الفقراء إليك، فقال: مرحبا بك وبمن جئت من عندهم، جئت من عند قوم أحبهم، فقال: قالوا إن الأغنياء ذهبوا بالجنة يحجون ولا نقدر عليه، ويعتمرون ولا نقدر عليه، وإذا مرضوا بعثوا بفضل أموالهم ذخيرة لهم، فقال النبي (ص): بلغ عني الفقراء إن لمن صبر واحتسب منكم ثلاث خصال ليست للأغنياء: أما (الأولى) فإن في الجنة غرفا ينظر إليها أهل الجنة كما ينظر أهل الأرض إلى نجوم السماء، لا يدخلها إلا نبي فقير، أو شهيد فقير، أو مؤمن فقير، (والثانية) يدخل الفقراء الجنة قبل الأغنياء