الدنيا وأشهر أنواعه. ولا ريب في كونه ملكة مهلكة وصفة مضلة، بل بادية مظلمة الأرجاء والأطراف، وهاوية غير متناهية الأعماق والأكناف، من وقع فيها ضل وباد، ومن سقط فيها هلك وما عاد. والتجربة والاعتبار والأخبار والآثار متظاهرة على أن الحريص لا ينتهي إلى حد يقف دونه، بل لا يزال يخوض في غمرات الدنيا إلى أن يغرق، وتطرحه أرض إلى أرض حتى يهلك. قال رسول الله (ص): " لو كان لابن آدم واديان من ذهب، لابتغى وراءهما ثالثا، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب ". وقال (ص): " منهومان لا يشبعان: منهوم العلم، ومنهوم المال ". وقال (ص): " يشيب ابن آدم وتشب فيه خصلتان:
الحرص، وطول الأمل ". وقال أبو جعفر الباقر (ع): " مثل الحريص على الدنيا كمثل دودة القز، كلما ازدادت على نفسها لفا كان أبعد لها من الخروج، حتى تموت غما ". وقال الصادق (ع): " إن فيما نزل به الوحي من السماء: لو أن لابن آدم واديين يسيلان ذهبا وفضة لابتغى لهما ثالثا. يا ابن آدم، إنما بطنك بحر من البحور وواد من الأودية، لا يملأه شئ إلا التراب ". وقال بعض الأكابر: " من عجيب أمر الإنسان، إنه لو نودي بدوام البقاء في أيام الدنيا لم يكن في قوى خلقته من الحرص على الجمع أكثر مما قد استعمله مع قصر مدة التمتع وتوقع الزوال ".
ثم ما ورد من الأخبار في ذمه أكثر من أن تحصى، ولا حاجة إلى إيرادها لاشتهارها. وقال الباقر (ع): " رب حريص على أمر قد شقي به حين أتاه، ورب كاره لأمر قد سعد به حين أتاه ". وأي خسران أشد من أن يسعى الإنسان في طلب به هلاكه؟ وأي تأمل في أن كلما يحرص عليه الإنسان من أموال الدنيا يكون مهلكا له؟!
وصل القناعة ضد الحرص (القناعة). وهي ملكة للنفس: توجب الاكتفاء بقدر الحاجة والضرورة من المال، من دون سعي وتعب في طلب الزائد عنه، وهي صفة فاضلة يتوقف عليها كسب سائر الفضائل، وعدمها يؤدي بالعبد