من أن اطلاق الدلاء دليل على كون الحكم تنزيهيا وان المراد من الطهارة النظافة المطلقة لاما يقابل النجاسة * (قال) * شيخ مشايخنا المرتضى طاب ثراه ان الامر بنزح الدلاء في هذه الصحيحة اظهر في الاستحباب من سابقتها من حيث كونه اظهر في مقام البيان فيبعد جدا حملها على بيان نوع المطهر وإحالة تفصيل كل واحد من النجاسات إلى مقام اخر فالأولى حمل لفظ التطهير هنا على إرادة إزالة القذارة والنفرة الحاصلة من وقوع تلك الأشياء انتهى * (أقول) * أطهرية هذه الصحيحة من حيث كونها في مقام بيان تمام الحكم انما هي بالنظر إلى مجرد الجواب والا فالصحيحة الأولى أيضا بعد ضم جواب الإمام (ع) إلى سؤال السائل كهذه الصحيحة من حيث الاباء عن حملها على بيان نوع المطهر لان السائل انما سئله عما يطهر البئر حتى يحل الوضوء منها ولا شبهه انه لو كتب مفت في جواب من استفتاء بهذا السؤال ان مطهر البئر من جنس النزح لكان من القبح بمكان فلا يجوز تنزيل كلام الإمام (ع) على هذا المعنى المجمل الذي لا يفسد في مقام العمل أصلا خصوصا بعد ملاحظة انها كتابة وان السائل لا يتمكن من الوصول إلى الإمام (ع) فلا بد من أن يكون الجواب في مثلها شافيا كافيا وكيف كان فلا يمكن تنزيل شئ من الصحيحتين على إرادة هذا المعنى بل لابد اما من القول بالاستحباب وتنزيلهما عليه أو طرحهما أو الالتزام بكفاية مطلق نزح الدلاء للمذكورات * (ولكنك) * قد عرفت أن الأخير مخالف للاجماع والأخبار الواردة في تقدير هذه الأمور والثاني موقوف على عدم امكان العمل بها وهو ممكن بحمل الجملة الخبرية على الاستحباب والطهارة على معناها اللغوي كما يساعد عليه افهام العرف بعد اطلاعهم على عدم الوجوب فالصحيحتان اللتان هما عمدة أدلتهم على خلاف مطلوبهم أدل * (ومنها) * صحيحة ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله (ع) إذا اتيت البئر وأنت جنب فلم تجد دلوا ولا شيئا تغترف به فتيمم بالصعيد فان رب الماء رب الصعيد ولا تقع في البئر ولا تفسد على القوم مائهم ويتوجه على الاستدلال بها انه يفهم من قوله (ع) ولا تقع في البئر [الخ] ان علة النهى عن الاغتسال افساد الماء على القوم لافساد الغسل في حد ذاته بحيث لولا هذا المحذور لجاز الاغتسال منها وهذا ينافي نجاسة الماء بوقوعه فيه ضرورة ان نجاسته يستلزم لغوية غسله ونجاسة بدنه فكان التعليل بها أولى من التعليل بالافساد الموهم لجواز الاغتسال منها عند انتفاء هذا المحذور كما إذا لم تكن البئر مما يحتاج إليها الغير أو لم يكن للغير حق في استعمالها بل ربما يستشعر من قوله (ع) فان رب الماء رب الصعيد كون الحكم رخصه بحيث لو اغتسل لكان غسله صحيحا كالاغتسال بالماء البارد الذي يشق تحمله عادة من دون ان يتضرر به فيكون حراما ان قلنا بصحة الغسل كما هو الأظهر فلا بد من أن يراد من الافساد معنى آخر غير النجاسة كاستقذار القوم ذلك بمقتضى طبايعهم أو لإثارة الوحل من البئر أو لصيرورة مائها مستعملا في رفع الحدث * (ويؤيده) * ترك التفصيل بين نجاسة بدنه وعدمها نعم لو قيل بنجاسة البئر تعبدا باغتسال الجنب فيها عند خلو بدنه عن النجاسة الخبيثة ونزل الرواية عليه ثم تمم القول فيما لو وقع في البئر شئ من النجاسات بعدم القول بالفصل لم يتوجه عليه هذا المحذور ضرورة صحة غسله إذا ارتمس فيها وان تنجس بدنه بالخروج ولكن بشرط ان يكون الغسل لغاية غير مشروطة بطهارة البدن كالصوم وإلا فلا يصح غسله أيضا لعدم الامر به لما سيأتي من أن مراعاة طهارة البدن أولى عند الدوران من الطهارة المائية فلا يتعلق الامر بطهارة يتعقبها نجاسة البدن * (ولكنك) * ستعرف ضعف هذا القول فلا يصح تنزيل الرواية عليه فضلا عن تقييدها بما لو أراد الاغتسال للصوم ونحوه وحاصل الكلام انه لا شاهد على إرادة النجاسة من الافساد في هذه الصحيحة بل الشواهد على خلافها ولا يقاس بها صحيحة ابن بزيع المتقدمة في أدلة الطهارة لوضوح الفرق بين الصحيحتين فلاحظ * (ومنها) * حسنة زرارة وأبى بصير ومحمد بن مسلم قالوا قلنا له بئر يتوضأ منها يجرى البول قريبا منها أينجسها قال فقال إن كانت البئر في أعلى الوادي والوادي يجرى فيه البول من تحتها فكان بينهما قدر ثلاثة أذرع أو أربعة لم ينجس ذلك شئ وان كان أقل من ذلك نجسها قال وان كانت البئر في أسفل الوادي ويمر الماء عليها وكان بين البئر وبينه تسعة أذرع لم ينجسها وما كان أقل من ذلك فلا تتوضأ منه قال زرارة قلت له فإن كان يجرى البول يلصقها؟ وكان لا يلبث على الأرض فقال ما لم يكن له قرار فليس به بأس فتوضأ منه انما ذلك إذا استنقع كله * (وعن) * علي بن إبراهيم مثلها الا انه اسقط قوله وان كان أقل من ذلك نجسها وأجيب عنها أولا بقصورها عن معارضة الأخبار المتقدمة المعتضدة بالأصل و مطابقة الكتاب والسنة ومخالفة جمهور العامة فيتعين تأويلها بحمل النجاسة على مجرد الاستقذار والنهى عن التوضي على الكراهة أو حملها على ما إذا اثر تكاثر ورود النجاسة على البئر في تغييرها كما يؤيد ما في ذيلها انما ذلك إذا استنقع كله ويؤيده أيضا رواية محمد بن أبي القاسم عن أبي الحسن (ع) في البئر يكون بينها وبين الكنيف خمس أذرع أو أقل أو أكثر يتوضأ منها قال ليس يكره من قرب ولا من بعد يتوضأ منها ويغتسل ما لم يتغير الماء وثانيا بمخالفة ظاهرها للاجماع لان القائلين بالنجاسة أيضا لا يقولون بحصول التنجيس بمجرد التقارب بين البئر والبالوعة فلا بد من تأويلها بمحل النجاسة على غير معناها الشرعي وناقش في الجواب الثاني شيخنا المرتضى [ره] بقوله والانصاف ان هذه الحسنة وإن لم يحمل على ظاهرها من حيث عدم انفعال البئر بمجرد قرب الميال الا انها ظاهرة في الانفعال عند العلم بوصول البول إليها انتهى * (أقول) * انما يفهم منها بعد الاغماض عن حملها على صورة التغير ان مناط نجاسة البئر بالمعنى الذي أريد من الرواية انما هو وصول البول إليها فلو علم عدم الوصول فلا بأس واما إذا لم يعلم عدم الوصول وكان بين البئر ومجرى البول أقل من الثلاثة أذرع أو التسعة أذرع فهي محكومة بالنجاسة تعبدا فيستفاد من ذلك أن قرب
(٣٤)