هونوا الخطب علينا فجزاهم الله عنا خيرا ولعل هذا هو السر في بقاء القول بالنجاسة على شهرتها في الاعصار السابقة في الأزمنة المتطاولة لا لأجل تقليد احاد العلماء اسلافهم حتى يكون ذلك قدحا فيهم حاشاهم عن ذلك بل لأجل عدم اعجاب كل منهم برأيه فيرى تطابق آراء الفحول و اتحاد كلمتهم على ترجيح القول بالنجاسة دليلا قطعيا على صحته فيظن ما يسنح بخاطره من ترجيح اخبار الطهارة شبهة في مقابلة الضرورة خصوصا لو كان بنائه على حجية اتفاق العلماء في عصر واحد بقاعدة اللطف كما هو ظاهر كثير من علمائنا فان اتفاق كلمة أهل عصره على هذا التقدير عنده دليل قطعي على وجوب طرح اخبار الطهارة أو تأويلها ويؤيد ذلك أنه بعد أن شاع القول بالطهارة لم ينكروا على قائله بل أيدوه إلى أن اتفقت الكلمة واجتمعت الفرقة على خلاف ما كانوا عليه من قبل والله العالم بحقايق الأمور ومكنونات السرائر * (حجة القول) * باعتبار الكرية في البئر المنقول عن البصروي عموم ما دل على انفعال القليل ولا يعارضه عموم أدلة الطهارة البئر لانصراف الاطلاق فيها إلى ما يبلغ الكر لأنه الغالب في الابار ويدل عليه أيضا رواية الحسن بن صالح الثوري عن الصادق (ع) قال إذا كان الماء في الركى كرا لم ينجسه شئ وفي الفقه الرضوي وكل بئر عمق مائها ثلاثة أشبار ونصف في مثلها فسبيلها سبيل الجاري * (وقد) * يستدل له أيضا بموثقة أبي بصير قال سئلت الصادق (ع) عن البئر يقع فيها زنبيل عذرة يابسة أو رطبة قال لا بأس به إذا كان فيها ماء كثير بحملها على الكثير الشرعي ويؤيده كونه وجها للجمع بين الاخبار ويتوجه عليه بعد تسليم انصراف المطلقات وعدم كون النسبة بينها وبين ما دل على انفعال القليل عموما من وجه حتى يتحقق التعارض بينهما انه انما يمكن دعوى الانصراف فيما عدا صحيحة ابن بزيع الدالة على عدم انفعال البئر معللا بان لها مادة واما الصحيحة فقد عرفت في مبحث الجاري حكومتها على جميع أدلة الانفعال فراجع * (واما) * الروايتان فمع ضعف سندهما ودلالتهما واعراض الأصحاب عنهما يعارضهما صحيحة ابن بزيع التي هي منع صحة سندها أقوى منهما دلالة لان التعليل اظهر في إفادة المفهوم من الجملة الشرطية أو الوصفية ولا يبعد ان يكون النكتة في تقييد الموضوع بالكرية التي هي وصف غالبي في البئر دفع استيحاش العامة القائلين بنجاسة البئر فان كون الكرية سببا للاعتصام في الجملة غير منكر لديهم على الظاهر فحيثما علق الإمام (ع) عدم انفعال البئر بها لا يستنكرونه بل ربما يلتزمون به هذا مع ما فيه من التنبيه على اطلاق الحكم حتى في صورة الانقطاع عن المادة واما الموثقة فظاهرها اشتراط الكثرة العرفية ولا قائل به فاعتبارها بحسب الظاهر لأجل صيانة ماء البئر عن التغير بزنبيل من العذرة واما توهم كون هذا القول جامعا بين الاخبار * (ففيه) * مضافا إلى ما عرفت من عدم انطباق الصحيحة عليه عدم امكان حل اخبار النجاسة بعد تسليم الدلالة كما هو المفروض على إرادة ما لو كان ماء البئر أقل من كر لكونه الفرد النادر كيف وقد ورد في بعضها الامر بنزح كر من الماء أو خمسين دلوا أو تراوح أربعة رجال * (وقد) * يتوهم امكان الاستدلال لهذا القول بسقوط الاخبار من الطرفين لأجل التعارض فيرجع إلى القاعدة الشرعية الثابتة في الماء من انفعال قليله بملاقاة النجاسة دون كثيرة * (وفيه) * بعد الاغماض عما عرفته مفصلا من عدم المكافئة بين الاخبار ان النسبة بين ما دل على اعتصام الكر واخبار النجاسة وبين ما دل على انفعال القليل واخبار الطهارة انما هي بالعموم من وجه فلا يصلحان للمرجعية وانما يرجع في مثل المقام على تقدير التساقط لو قلنا به إلى عموم خلق الله الماء طهورا ولو اغمض عنه فالمرجع أصالة الطهارة والله العالم * (واعلم) * ان المشهور بين القائلين بالطهارة استحباب النزح وقد عرفت فيما سبق ان هذا هو الذي يلتئم به شتات الاخبار ويشهد به القرائن الموجودة فيها بل قد عرفت أنه يستفاد منها كراهة الاستعمال قبل النزح فليس استحباب النزح تعبديا محضا بل انما هو لدفع القذارة الحاصلة وإن لم تبلغ مرتبة النجاسة الموجبة لحرمة الاستعمال وقد نسب إلى الشيخ في التهذيب والعلامة في المنتهى القول بالطهارة ووجوب النزح تعبدا فان عنوا به الوجوب النفسي ففيه مالا يخفى من البعد عن ظاهر الروايات خصوصا ما كان منها مشتملا على أن النزح يطهرها كيف ولو كان واجبا نفسيا لكان على الإمام (ع) بيان متعلق الوجوب من أنه يجب على المالك أو على عامة المكلفين كفاية وكيف كان فلا شبهة في فساد هذا الاحتمال وعدم استفادة الوجوب النفسي من الأوامر في مثل هذه الموارد ولذا لا يتوهم أحد بعد استماع تلك الأوامر عدم جواز طم الابار النجسة ووجوب حفظها مقدمة لامتثال الواجب المطلق أعني النزح وان أرادوا الوجوب الشرطي لاستعماله فيما يشترط فيه الطهارة من المأكول والمشروب والطهارة الحدثية والخبثية فمرجعه إلى القول بالنجاسة الا ان يفرق بينهما فيما يلاقيه بعد الجفاف * (ولكنك) * خبير بعدم امكان تنزيل اخبار الطهارة النافية للبأس عن مائها على إرادة نفى البأس عن ملاقيه بعد الجفاف وان أريد اشتراطه لاستعماله في التطهير عن الحدث والخبث فيرده التصريح في جميع الأخبار المتقدمة الدالة على الطهارة ما عدا صحيحة ابن بزيع بنفي البأس عن الوضوء منها أو عدم وجوب اعادته فراجع * (وهل) * يطهر ماء البئر على القول بنجاسته بمطهر سائر المياه النجسة أم ينحصر مطهره في النزح قولان ولا يهمنا التعرض لتحقيقه بعد البناء على كون البئر كالجاري في عدم الانفعال كما أنه لا يهمنا التدقيق في تحقيق مقدار ما يجب نزحه لكل من النجاسات على القول بالوجوب وكذا تنقيح ما يتبع الماء في الطهارة من الآلات وحواشي البئر وما يغتفر من القطرات النازلة من الدلو والرشحات الواقعة في البئر إلى غير ذلك من الفروع الخفية التي لا بد من تحقيقها على القول بالنجاسة وحيث انك عرفت في صدر الكتاب ان أدلة السنن تتحمل من المسامحة مالا تتحملها أدلة الغرائم فالأولى على ما اخترناه من استحباب النزح هو الاقتصار في المقام على نقل الروايات الواردة وغيرها مما يصلح ان يكون مدركا لاثبات الاستحباب وقد أشرنا فيما سبق ان أحسن وجوه الجمع بين الاخبار المختلفة حملها على اختلاف مراتب الاستحباب والله العالم * (ولما رجح) * المصنف [ره] القول
(٣٦)