الميال الذي هو امارة ظنية قد جعله الشارع طريقا تعبديا لاستكشاف الوصول ونجاسة الماء ولما ثبت بالنص والاجماع ان النجاسة بمعناها المصطلح لا تثبت بهذا الطريق وجب ان يكون المراد منها معنى اخر كمطلق القذارة التي يكره لأجلها الاستعمال فالنجاسة بهذا المعنى هي التي تفهم من الرواية تحققها عند العلم بالوصول لا النجاسة المصطلحة * (ودعوى) * لزوم ابقاء لفظ النجاسة على ظاهرها وارتكاب التقييد في الرواية بحملها على صورة العلم بالوصول بقرينة الاجماع * (يدفعها) * ان التقييد بصورة العلم يستلزم كون التحديد بثلاثة أذرع وتسعة أذرع لغوا لكون الحكم على هذا التقدير دائرا مدار العلم ودعوى أن التحديد بالثلاثة والتسعة جار مجرى الغالب إذا الغالب حصول العلم بالوصول إذا كان الفصل أدل منها مجازفة من القول * (والحاصل) * ان الامر دائر بين رفع اليد عن ظاهر التحديد أو ظاهر لفظ النجاسة ولا أولوية للأول لو لم نقل بان الثاني هو المتعين * (ومنها) * رواية ابن مسكان عن أبي بصير وكل شئ يقع في البئر ليس له دم مثل العقرب والخنافس وأشباه ذلك فلا بأس * (وفيه) * ان ثبوت البأس أعم من النجاسة * (الامر) * الثاني من أدلة القائلين بنجاسة البئر استفاضة الاخبار بالنزح للتجاهات؟ وعمل الطائفة بها قديما وحديثا وأجيب عنها بان الامر بالنزح لا يدل على النجاسة لجواز كون النزح مستحبا أو واجبا تعبديا * (وفيه) * ان احتمال الاستحباب لا ينافي الظهور في الوجوب واحتمال كونه واجبا تعبديا بعيد في الغاية كما سيتضح لك فيما بعد [انش] فالصواب في الجواب عنها بعد الاغماض عن شهادة القرائن الداخلية الموجودة في نفس هذه الأخبار الدالة على كون النزح مستحبا مثل الحكم بصحة الوضوء والصلاة الواقعتين قبل النزح كما في موثقة أبي أسامة المتقدمة وكشدة الاختلاف الواقع بينها على وجه يتعذر الجمع بينها الا بالحمل على مراتب الاستحباب إذ لو بنى فيها على اعمال قاعدة التراجيح للزم طرح أكثر الاخبار التي يجد المنصف من نفسه القطع بصدور أغلبها ان غاية الأمر ظهور هذه الأخبار في نجاسة البئر فلا بد من رفع اليد عن هذا الظاهر بالاخبار المتقدمة الدالة على الطهارة لأن الظاهر لا يعارض الأظهر فضلا عما هو نص في الخلاف وبهذا ظهر لك الجواب عن جميع الأخبار التي تمسك بها القائلون بالنجاسة إذ بعد تسليم الدلالة في الجميع غايتها الظهور في نجاسة البئر فيجب رفع اليد عن هذا الظاهر بالنص واما التشبث بعمل العلماء فان أريد منه اجماعهم على النجاسة فسيأتي الكلام فيه وان أريد منه ترجيح هذه الطائفة من الاخبار على معارضتها * (ففيه) * ان عمل العلماء بها لا يجعلها نصا في النجاسة حتى تكافئ اخبار الطهارة وقد تقرر في محله ان تأويل الظاهر بالنص من الجمع المقبول ولا يجوز الرجوع مع امكانه إلى المرجحات الخارجية وعمل العلماء لا يصلح الا لترجيح السند أو جبره أو جبر دلالة الخبر لو كان فيها قصور على اشكال في الأخير ولا يجعله نصا بحيث يعارض النص الدال على خلافه نعم لو كان عملهم بهذه الاخبار منشأه عدم الاعتناء بالاخبار المخالفة واعراضهم عنها لعثورهم على خلل فيها من جهة من الجهات لكان ذلك من الموهنات الموجبة لخروج تلك الأخبار عن مرتبة الحجية بحيث لو لم يكن لها معارض أصلا لما جاز العمل بها ولكن كون المقام من هذا القبيل غيره مسلم كما سنوضحه فيما بعد انشاء الله * (الأمر الثالث) * من أدلة القائلين بالنجاسة الاجماعات المنقولة المعتضدة بالشهرة المحققة بين القدماء فعن الأمالي انه من دين الإمامية وعن الاقتصار والغنية وظاهر التهذيبين ومصريات المصنف الاجماع عليه وعن السرائر نفى الخلاف فيه * (وعن) * شرح الجمل الاجماع عليه وعن كاشف الرموز ان عليه فتوى الفقهاء من زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى يومنا هذا وفي الروضة كاد ان يكون اجماعا مضافا إلى المؤيدات القوية مثل اعراض القدماء عن اخبار الطهارة مع وجودها فيما بأيديهم ووصولها الينا بواسطتهم فلو لم يكن فيها خلل لعملوا بها فإنهم أبصر بمعاني الاخبار وبالقرائن المقترنة بها فطرحهم هذه الأخبار مع وضوح دلالتها وكونها بمرئى منهم ومسمع كاشف عن قصور فيها خفى على المتأخرين مع أن المتأخرين الذين خالفوهم لم يأتوا بسلطان مبين غير ما عندهم واعرضوا عنه * (ويتوجه) * على الجميع ان الاجماع المحصل في مثل المقام مما علم مستند المجمعين وضعفه مما لا يرجع إلى محصل فكيف الظن بمنقوله أو الشهرة المحققة إذ المدار في حجية الاجماع والشهرة لدينا على استكشاف قول المعصوم (ع) أو دليل معتبر واصل إليهم مختف عنا واما إذا لم يكشف عن شئ منهما فليس بحجة واحتمال اعتمادهم على دليل آخر غير واصل الينا مع بعده في حد ذاته غير نافع ما لم ينته إلى حد الوثوق كيف والمظنون لو لم يكن مقطوعا به عدمه إذ من الممتنع عادة وجود دليل معتبر أو قرينة معتبرة بحيث يكون حجة عند جميع العلماء فيما بأيديهم واصل إلى جميعهم واختفى عن جميع المتأخرين مع أن العادة قاضية بأنه أو كان لهم دليل آخر غير ما وصل الينا لظهر هذا مع معارضة اجماعاتهم المنقولة والشهرة المحققة بما هو أقوى منها في إفادة الوثوق وهي الشهرة بين المتأخرين و نقل اجماعهم عليه لان اعراضهم عن طريقة القدماء وهدمهم ما أسسوه مع شدة اهتمامهم في تصحيح مطالب السابقين كاشف عن أن بنيانهم ليس على أصل أصيل واما طرحهم الاخبار المعارضة فلم يكن إلا عن اجتهادهم فلا يكون حجة على من تأخر عنهم ويكشف من ذلك كونها معمولا بها لدى جملة من القدماء وجميع المتأخرين كيف مع انا نرى ان جملة ممن طرحها تصدى لتوجيهها فهذا يكشف عن صحتها لديهم واشتهارها فيما بينهم ولكنهم التجأوا إلى تأويلها لأرجحية الاخبار المعارضة لديهم أو لاعتقادهم كون المسألة اجماعية فلم يستطيعوا مخالفة الاجماع لأجل هذه الأخبار ولعمري لولا اشتهار القول بالطهارة في هذه الاعصار لكان الالتزام بها مع قوتها من حيث المدرك في غاية الجرئة فشكر الله سعى السابقين حيث إنهم
(٣٥)