نعم، لما اجتمع الأمران في فعل شخصي واحد لا يمكن التعدد فيه لم يكن بد من الإتيان به مريدا لموافقة الأمرين، وهذا غاية ما يمكن في هذا الفرض من موافقة الأمر، بخلاف ما نحن فيه فإنه يمكن تخليص الداعي لموافقة الأمر وتحصيل التبرد بغير الوضوء إن أمكن وإلا فعليه تضعيف داعي التبرد وتقوية داعي الإخلاص، فإن الباعثين المستقلين يمكن ملاحظة أحدهما دون الآخر، كما لو أمر الشارع بانقاذ ولده الغريق فإنه قد ينقذه لمحض محبة الولد من غير ملاحظة أمر الشارع، وإن كان ينقذه لو كان غير ابنه لمحض الأمر ولو تكلفا لا عن شوق، وقد يكون الأمر بالعكس، فيكون الباعث المستقل أمر المولى وإن كان الداعي الآخر موجودا بالفعل، بحيث لولا أمر المولى لفعله بهذا الداعي، كجميع ما كان يصدر عن أمير المؤمنين عليه السلام من المشتهيات والملاذ النفسانية حيث كانت تصدر منه عليه السلام لموافقة أوامر الله المتعلقة بها باعتبار من الاعتبارات مع وجود الداعي المستقل الآخر، بحيث لو فرضنا عدم رجحان ارتكابه شرعا من وجه من الوجوه كان يرتكبه بمقتضى الداعي النفساني الموجود فيه، وقد يكون أحد الداعيين مستقلا والآخر مؤكدا ولا كلام فيه أيضا، إنما الكلام فيما إذا اشتركا في التأثير الفعلي وأمكن للمكلف تخليص القربة في البعث.
ثم إن محل الخلاف هي الضميمة المباحة الدخيلة في أصل العمل، وأما الموجبة لاختيار بعض أفراده على بعض فلا إشكال ولا خلاف في عدم قدحها، ضرورة أن مقتضى التخيير في أفراد الكلي تفويض الخصوصيات إلى الدواعي النفسانية للمكلف، فاختيار الوضوء بالماء البارد في الصيف والحار في الشتاء لأجل التبرد أو التسخين غير قادح في الامتثال قطعا.