وفي جواز أخذ المقر به عنه لكل أحد من باب النهي عن المنكر.
وفي جواز الحكم لقاض آخر بعد علمه بالإقرار، بخلاف البينة المعدلة عند القاضي الأول، فإنه لا يجوز الحكم للثاني بدون التعديل عند نفسه.
والحاصل: أن الإقرار علة تامة لثبوت الحق عليه، بخلاف البينة، فإنها مع الحكم علة.. أو يقال: إن الإقرار حجة مطلقة لكل أحد، والبينة لم تثبت حجيتها إلا للحاكم.
فإن قيل: كما أن ثبوت الحق بالبينة يتوقف على ثبوت حجية البينة أولا بأدلتها، ثم النظر في حالها من العدالة والجرح ونحوهما، ثم النظر في دلالة اللفظ المؤدى به الشهادة.. فكذلك الثبوت بالإقرار، فإنه يتوقف على جواز إقرار العقلاء بأنفسهم، وثبوت الرواية، وفهم المراد من الجواز، ثم النظر في حال المقر من كونه بالغا عاقلا رشيدا غير مكره، ثم النظر في حال لفظ الإقرار، فإن في الألفاظ حقائق ومجازات، ولها قرائن، ولذا عنون الفقهاء مسائل كثيرة في تحقيق معاني الإقرارات.
ولا يمكن أن يقال: إن أدلة حجية البينة تختص بحجيتها للحاكم دون دليل ثبوت الإقرار، لأنه لا فرق بينهما من هذه الجهة، وإنما يختص الحكم بالحاكم، لأدلة اختصاص الحكم به وعدم جوازه لغيره.
قلنا: فرق بينهما، أولا: في المقدمة الأولى، فإن حجية الإقرار لا تثبت بالحديث المذكور خاصة، بل هي صارت ضرورية لكل أحد - خاصي وعامي - فلا يحتاج إلى اجتهاد في حجية الأخبار سندا ومتنا والفحص عن المخصص والمعارض ونحوهما.. بخلاف أدلة البينة.
فإن قلت: حجية البينة العادلة أيضا صارت اليوم ضرورية.
قلت: نعم، ولكن للحاكم، يعني: ثبت على كل أحد أنها حجة