ونرى أنا نبكي من تعزية بعض الناس دون بعض، بل نرى أنه ربما يذكر أحد واقعة ولا يؤثر في قلب، ويذكر غيره هذه الواقعة وتحصل منه الرقة بحيث يشرف بعض الناس على الهلاكة، بل ربما يبقى التأثير بعد تمام تعزيته، بحيث تسيل الدموع بمجرد تذكر ما ذكره من الوقائع بعد مدة طويلة.
وبالجملة: إعانة الألفاظ والعبارات والألحان والأصوات على البكاء على شخص أمر مقطوع به، وليس البكاء فيه على شئ غير وقائع هذا الشخص، فإن المشاهد أن بتعزية بعض الناس وذكر بعض الألفاظ تحصل حرقة خاصة للقلب على الحسين عليه السلام وأصحابه ما لا يحصل بتعزية غيره ولا بلفظ آخر مرادف.
والتحقيق: أن الصوت واللفظ واللحن من الأمور المرققة للقلب، المعدة للتأثير، وبترقيقها وإعدادها يحصل البكاء بتذكر الأحوال، فكون الصوت واللفظ معينا على البكاء مما لا يمكن إنكاره.
وأما قول المعترض -: مع أن عموم رجحانه، إلى آخره - ففيه: أنه ليس مراد المستدل تجويز إعانة البر بالحرام، بل يمنع الحرمة حين كون الغناء معينا على البكاء، استنادا إلى تعارض عمومات حرمة الغناء مع عمومات رجحان الإعانة بالبر وعدم المرجح، فيبقى محل التعارض على مقتضى الأصل.
ومنع عموم الإعانة على البر أو ترجيح عمومات الغناء بأظهرية العموم أو الأكثرية أو لأجل ترجيح الحرمة على الجواز مع التعارض، ليس بشئ، لأن عموم إعانة البر مطلقا أمر ثابت كتابا وسنة.
مع أن الأحاديث الواردة في أن من أبكى أحدا على الحسين كان له