البحث الثاني حول تجرد القوى من المحرر في محله والمقرر عند أهله: أن الأصل في الاستعمالات هو الحمل على الحقيقة، إلا في صورة استحالة الحمل، أو في صورة قيام القرينة (1)، وفي هذه الآية بنوا على المجازية، لأجل وجود القرينة:
وهي أن القلوب تفقه والأسماع والأبصار مشغولة بالسمع والإبصار فيكون الاستعمال على خلاف الحقيقة.
أقول: لأحد أن يقول: بأن القوى المجردة بمراتبها العقلية والإحساسية، ليست محسوسة حتى يتبين لنا: أنها ليست مختومة ولا مغشية، فإذا قال الله تعالى: * (ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم) *، وكان الفاعل هو الله تعالى، وكان محط الفعل القلب، وهي مرتبة النفس العليا غير القابلة للإحساس والقوة السامعة، وهي أيضا غير قابلة للدرك الحسي، ومثلها الباصرة، ولا يكون المراد الاذن، ولا البصر الظاهري، ولا الجسم الصنوبري، فلابد أن تكون النسبة على الحقيقة، وتكون الآية الشريفة دليلا على تجرد هذه القوى المندمجة في النفس والمتعلقة بها.
وبعبارة أخرى: إن ثبت بدليل قطعي خارجي أن النفس مادية، وهكذا