الوجه الثاني حول نسبة الاستهزاء بصيغة الاستقبال في العدول عن الإتيان بصيغة اسم الفاعل إلى الإتيان بصيغة المستقبل، مع أن الأنسب خلافه، لقوله تعالى: * (إنما نحن مستهزئون) * إشعار بأن الاستهزاء من الصفات الذاتية لهؤلاء الناس، ومن ملكاتهم الخبيثة وسجياتهم الفاسدة، بحيث صارت ذواتهم منشأ لذلك، وأما استهزاؤه تعالى فهو من صفات الفعل المتجلي في الرتبة المتأخرة، فلا يصح حمله عليه تعالى وانتزاعه منه.
وبأن اليهود وأمثالهم يتمكنون من أن يتوهموا أن الله تعالى لم يستهزئ بهم بل يريد الاستهزاء في المستقبل، فلو أرادوا الرجوع إلى الإسلام فلا ينسد عليهم بابه وسبيله وطريقه.
ومن هنا يظهر النكتة في قوله تعالى: * (يمدهم) *، فإنه ليس دليلا على وقوع الاستهزاء والإمداد والمدد، كما سيأتي توضيحه.
وبأن المسلمين يظنون أن الاستهزاء من الناحية المقدسة متدرجة وباقية، ولا يزال ويمتد إلى أن ينسلكوا في الأسلاك الإنسانية والإسلامية.
وهذا من عجيب الكلام، فإن كل واحد من الفريقين يتمكن من تأييد مقصوده بها على وجه لا يستلزم الخلل والنقاش في آماله وميوله.