وقد خالف أرباب المعقول جماعة من الأخسرين أفكارا، وظنوا أن الإنسان مركب من نفوس ثلاثة بينها نحو ارتباط غير جوهري.
ومنشأ اعتقادهم: أنهم رأوا أن في الإنسان آثارا مختلفة وأفاعيل متشتتة وخواص وحركات كثيرة متفاوتة، والكثير لا يصدر عن الواحد، فلابد من الاعتقاد بكثرة العلل بعد اتفاق أفاعيلها في الوحدة النوعية، وبلوغها إلى ثلاثة أنواع، كالحرارة، والبرودة، والجذب والدفع، مما يصدر مثلها من صور العناصر، فهي طبعية، وتكون من الأجزاء الإنسانية.
وهناك نفوس ثلاثة اخر: نباتية، وحيوانية، وإنسانية، لاختلاف الأفعال والحركات المسانخة معها الصادرة عنها.
وأنت خبير: بأن الآية الشريفة تؤمي إلى خلاف هذه المقالة الواضح فسادها، فإن في إتيان " القلب " بشكل الجمع، وإتيان " السمع " بعده بشكل المفرد، دلالة على أن القلوب المذكورة بلحاظ الآحاد من الأفراد، وأن لكل فرد قلبا واحدا، لا قلوبا كثيرة، وإذا كان المراد من القلب هي النفس - كما عرفت في بحوث اللغة - يظهر أن كل إنسان ذو قلب واحد ونفس فاردة، ويأتي تفصيله في ذيل قوله تعالى في سورة الدهر: * (هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا) * إلى قوله تعالى: * (إما شاكرا وإما كفورا) * (1) - إن شاء الله تعالى - فإن في هذه الآية بسط المباحث العقلية الإلهية والعقلية الطبيعية.
وأما التمسك بقاعدة امتناع صدور الكثير عن الواحد، فهي لو كانت