وعلى بعض مشارب اخر * (وإذا قيل لهم لا تفسدوا) * في العالم الصغير بالخروج عن طاعة العقل والإمام، فإنه يوجب الإفساد في العالم الكبير، كما يوجب الإفساد الكبير، وهو الاستهزاء بالإمام وقتله (1)، فلا يجوز الإفساد في الجهة السفلية - التي هي النفوس وما يتعلق بها من المصالح - بتكدير النفوس وتحريكها نحو الشقاوة والظلمة، وإخراجها من الفطرة المخمورة إلى الطبيعة المحجوبة، والطينة المخلدة إلى الأرض، باتباع الشهوات وشياطين الأوهام والخيالات.
قالوا بلسان الحال بل والمقال: * (إنما نحن مصلحون) * في الأراضي البدنية والصياصي الإنسانية، ونعمرها في الحكومة الدنيوية، ونهيؤها للذات الحسية والكيفيات الحيوانية، ففي هذا التشاح والنزاع تدخل الغيب تدخلا، ونظر إليه نظرا ونادى نداء عاليا: * (ألا إنهم هم المفسدون) * حقيقة وواقعا، يهيؤون الأبدان للنيران، يوم تبدل الأرض غير الأرض، و * (لا يشعرون) * بعواقب الأمور ونهاية الحركات، وتبعات هذه الخسائس من اللذات والرذائل من الكيفيات، فيظنون ظنا إلا أن بعض الظن إثم، ولكنهم * (لا يشعرون) * بشئ ولا يهتدون.