أيضا - ذات قوة محركة طبيعية قائمة بالبدن، وتكون النفس الناطقة - وهي القلب - رئيستها، وتلك القوى خدامها ومسخرة لها، والقلب متصرف فيها، وقد خلقت مجبولة على طاعة القلب، لا تستطيع له خلافا، ولا عليه تمردا، فإذا أمر العين بالانفتاح انفتحت، وإذا أمر الرجل بالحركة تحركت، وإذا أمر اللسان بالكلام تكلم، وكذلك سائر الأعضاء والحواس، وتسخيرها للقلب يشبه تسخير الملائكة لله تعالى * (لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون) *. هذا هو قول الحكماء العظام.
وفي حذائهم من يقول: إن الإنسان هي النفس العاقلة، وسائر المقامات أمور عارضة لها، من مبدأ حدوثها إلى آخر دهرها، حتى يكون البدن وقواه بالنسبة إليها كآلات ذوي الصنائع، من حيث لا مدخل لها في حقيقتها ونحو وجودها، بل في تتميم أفعالها، فإن كان يرجع هذا إلى أن شيئية الشئ بكماله، وكمال النفس هي مرتبة العاقلة، لا مرتبة العاملة، فهو في غاية الجودة، فإن ما دونها فانية فيها فناء المظهر في الظاهر، وإلا فهي في نهاية السخافة.
وفي مقابلهما قول من يظن: أن الجوهر النفساني روحاني الحدوث والبقاء، وتلك القوى والأعضاء أسباب رفع الحجب بظهور كمالاتها.
وبالجملة: لها الرئاسة القطعية عليها.
وإلى هذا الخلاف يؤمي أحيانا قوله تعالى: * (ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم) *، فإن الظاهر منه أن انطباع القلب كان يكفي عن انطباع قواه، فإذا كانت الآية تفيد استقلالها في الانطباع والغشاوة، يعلم استقلالها في الوجود وتباينها بالنوع مع النفس إذا كانت متباينة بالشخص، على