واضحكوا على عقول المجبرة، كيف ذهلوا وغفلوا عن هذه الآية الشريفة التي تكون في حكم الذيل للآية السابقة: * (إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون ختم الله) *؟! فهم الذين كفروا من غير أن يخلق الله كفرهم بالمعنى الذي توهمه الجبابرة الأذلون والمجبرة الأجهلون.
إذا عرفت ذلك، وعلمت أيضا: أن الحقائق الحكمية والمعاني الكلية الفلسفية، لا تقتنص من الإطلاقات اللغوية والاستعمالات العامة، الأعم من الاستعارات والمجازات والحقائق، وإن كان تظافر النسب والقضايا والكلمات يوجب حسن الظن بأحد طرفي المسألة، إلا أن المحرر في محله عدم إمكان الاتكاء وعدم حصول الاعتقاد من هذه الطرق إلا للمبتدئين من الخلق والأراذل من الناس، دون المفكرين المتعمقين.
وبالجملة: إذا تحصل لك ذلك فاعلم: أن مسألة الجبر والتفويض من المسائل الغامضة الربوبية والبحوث الجليلة الإلهية، وقد سبقت مباحثها في محالها بما لا مزيد عليها، من غير اختصاصها بمسألة المكلفين وغير المكلفين، لأنها بحث عام في جميع مراتب الوجود والأعيان، وفي عموم سلسلة العلل والكائنات، حتى في دخالة مقدمات القياس بالنسبة إلى العلم بالنتيجة، كما مر مرارا في الكتاب، وأشرنا كرارا في ذيل الآيات إلى بعض ما يتعلق به، حتى يكون القارئ الكريم على ذكر من ذلك إلى أن تصل النوبة إلى البحث عنها بمقدماتها في ذيل بعض الآيات الشريفة وعند بعض الحكايات والقصص، كحكاية موسى (عليه السلام)