لا يريدون الهداية، وليس الكفر إلا عدم اختيار الإيمان، فهو تعالى يعلم بأنهم لا يؤمنون بالاختيار، لما يتمكنون من اختيار الإيمان بتحصيل المقدمات، وبقلب المادة المحجوبة إلى الفطرة المخمورة، وهو تعالى ليس يريد ضلالتهم، بل لا يريد هدايتهم، وعدم إرادة الهداية لا ينافي أن يريدوا الهداية والإيمان، ويصطفوا الحق على الكفر والطغيان والعصيان.
وقريب منه: * (إن الذين كفروا) * بالاختيار المنتهي إلى الاختيار بالذات وبالإرادة، المنتهية إلى الإرادة الإلهية الذاتية، * (لا يؤمنون) * حسب ما علمناه وأردناه، فهم سواء عليهم الإنذار وعدم الإنذار، فلا يؤمنون - هؤلاء الناس - ويكفرون أيضا - هؤلاء الجماعة - بإرادتهم الشخصية واختيارهم الجزئي، فلا يكون فعلهم خارجا عن الاختيار والإرادة، ولا يكون كحركة يد المرتعش بالضرورة العامة.
وعلى مشرب العارف والسالك * (إن الذين كفروا) * وضلوا حسب مراتب الضلالة، ففي كل مرتبة كانوا من الضلالة لا يؤمنون بحسب تلك المرتبة، ويكون بالنسبة إليهم الإنذار وعدمه على السواء، فمن كان في الرتبة الأولى من الضلالة - ويقال: إنها الضلالة الذاتية والشقاوة الفطرية الاكتسابية - حكمه ذلك، ومن كان في الدرجة الأولى من الهداية، وفي السفر الثالث من الأسفار الروحانية الأربعة، يحق في حقه: أنهم * (لا يؤمنون) *، و * (سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم) *، ولذلك يترنم بقوله: * (إهدنا الصراط