الوجه السادس حول كون الآية إنشائية يظهر من الأكثر أن الآية الشريفة جملة أخبارية، وفي بعض العبائر احتمال كونها إنشائية، فيكون دعاء وشعارا عليهم، وإبراز انزجار من قبله تعالى بالنسبة إلى طائفة اليهود أولا، وإلى من يشابههم من سائر الملل ثانيا، لعدم اختصاص لها في حقهم، ففي هذه الآية وما مر من الآيات السابقة، نوع هتاف يعتبره العقلاء ويساعد عليه الاعتبار.
وبذلك ينحل كثير من المعاضل والمشاكل، مما لا حاجة إلى تصحيح النسبة - مثلا - في قوله تعالى: * (يمدهم) *، وهذا النحو من العلامات والإعلانات متعارفة، ولعل قوله تعالى: * (قاتلهم الله أنى يؤفكون) * (1) من أظهر مصاديقه.
أقول: والذي هو الحق أن جميع الشعارات المتعارفة والهتافات اليومية وغير اليومية، كلها تجئ على صيغة الماضي أو الأمر الغائب، ومنه قوله تعالى: * (قاتلهم الله) *، ومنه قول الناس: وليحي كذا، وليسقط فلان، وأما الهتاف بالفعل المستقبل فهو خلاف الديدن العصري، ولم يعهد ذلك حسب التأمل والتدبر في المجامع والاستعمالات، فالاحتمال المزبور غير قائم عليه شاهد.