البحث الخامس حول مقابلة * (ما أنزل إليك) * و * (ما أنزل من قبلك) * ربما يتوهم أن مقتضى الطبع أن تكون الآية هكذا: " الذين يؤمنون بما انزل إليك وما انزل لغيرك " حتى تقع المقابلة على وجهها، فإنه لا تقابل بين قوله تعالى: * (إليك) * وقوله: * (من قبلك) *.
هذا، مع أن في قوله: * (من قبلك) * نوع إجمال، لأنه كما يحتمل أن يراد من قبل وجودك وتكوينك، يحتمل أن يراد من قبل وجودك في المدينة، أي الذين يؤمنون بما انزل إليك في المدينة وما انزل إليك من قبل وجودك فيها، فتكون الكتب السماوية خارجة عن لزوم الإيمان به، كما يأتي في بحث فقهي في المسألة إن شاء الله تعالى.
أقول: لا شبهة في أن مفهوم * (ما أنزل إليك) * صادق على ما انزل في مكة والمدينة، فيكون قرينة على أن المراد من قوله: * (وما أنزل من قبلك) * هو المعنى الأول، وعلى هذا تحصل المقابلة قهرا، لأن الجملة مقرونة بزمان الحال، أي * (يؤمنون بما أنزل إليك) * في هذا العصر وبعد تلك الفترة، ويؤمنون بما انزل سابقا عليك، وعليه يرتفع الإجمال أيضا.