والإنصاف: أن الوجه الأول هو المتعين.
النكتة الخامسة حول اشتمال الآية على الترغيب إن من وجوه البلاغة كون الكلام مشتملا على موجبات الرغبة والترغيب إلى ما هو المقصود والغرض وما هو المأمول والمطلوب، وأن يكون الكلام متفهما لجانب الفطرة والسلامة، وإن لوحظ فيه نهاية التفنن وغاية الدقة ولحظات الخطابة، فإذا أصغى إلى قوله تعالى أحد المنافقين أنه يقول: * (وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس) * يتوجه ويتنبه إلى أن الناس عموما قد آمنوا، فإن بنى على الإيمان فينسلك في سلك الناس، وإن لم يؤمن فيخرج من طائفة الاناس، وينخرط طبعا في سلك الأنعام والدواب.
وبعبارة أخرى: من لم يؤمن كما آمن الناس، أمره دائر بين أن يؤمن فيكون من الناس، وبين أن لا يؤمن فيكون من غير الناس. والسر كل السر أن الآية لاشتمالها على العموم الأفرادي، تلفت النظر إلى هذه الجهات والنكت، وأن المخاطب بقوله: * (آمنوا) * إن كان من الناس فقد أقرت الآية بأن الناس آمنوا، فلا معنى للدعوة، وإن كان المخاطبون بها غير مصغين إلى ندائها وغير عاملين بمقتضاها، فهم ليسوا من الناس، لأن الناس كلهم آمنوا.