أنهم المستهزئون، إلا أن في الحقيقة يرجع استهزاؤهم على أنفسهم غافلين عن ذلك، وغير شاعرين به. والله من ورائهم محيط.
ومما يؤيد أن الآية الشريفة تفيد أنهم من المستهزئين حسب الجبلة وبالطبع: حذف متعلقه وإلا كان ينبغي أن يقال: إنما نحن مستهزئون بهم، فيعلم منه أنهم على هذه الرذيلة انغرسوا.
الوجه الثامن الفرق بين المنافقين وشياطينهم ربما يستظهر - كما عليه طائفة المفسرين - أن الذين لاقوا المؤمنين غير شياطينهم، وأن شياطينهم كانوا من ورائهم، واختلفوا في أن الذين لاقوهم هم أكابرهم، أم شياطينهم. وقد مر الإيماء إليه فيما سلف، والذي أردنا الإشارة إليه: هو أن من مراتب السعادة، ومن منازل النورانية والفضيلة، منزلة اللقاء ومرتبة الملاقاة مع الأنوار والسعداء، فإن من كان فيه استعداد اللقاء لابد وأن يكون فيه نوع من السنخية، وغير مباين مع النورانية المطلقة.
ولأجل هذه المرحلة من الاستعداد، الذي شرحه صدر الآية الشريفة بقوله تعالى: * (وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا) * وشرحه قوله تعالى: * (قالوا آمنا) *، فإنه أيضا يكشف عن المرتبة النازلة عن النورانية الإجمالية فيهم.