وبين شياطينهم في الخلوة لابد وأن تكون في موقف توهم الشياطين إيمانهم وصدق لسانهم، فيكونون يظهرون الإيمان ويدعون الإصلاح بين المؤمنين، ثم عند الخلوة - دفعا للتوهم المزبور - يبرزون نفاقهم، وقوله تعالى:
* (إنما نحن مستهزئون) * يشهد على أنهم استهزؤوا قبل ذلك باعترافهم بالإيمان ودعواهم الصلاح.
الوجه الثاني حول تكرار القول بالإيمان ربما يشكل الأمر في قوله تعالى: * (قالوا آمنا) *، للزوم التكرار لما مر قوله تعالى: * (ومن الناس من يقول آمنا بالله...) * إلى آخره، ولأجل ذلك اختلفوا في المفعول المحذوف بما لا يرجع إلى محصل: من أنهم في الأولى أرادوا الإخبار عن الإيمان بالله وباليوم الآخر، وهنا عن أصل الإيمان، ومن أن المحذوف - بشهادة أنهم اليهود - هي التوراة، وقد ارتكبوا التوراة بحذفه، ومن أن إظهار الإيمان في الآية الأولى نفاق للخداع، وفي الثانية نفاق للاستهزاء، وغير ذلك مما يطلع عليه المتتبع.
والذي هو الظاهر وإن اختفى عليهم: هو أن هذه الآية تشتمل على قضيتين شرطيتين: إحداهما قضية إخبارية عن قولهم: * (آمنا بالله وباليوم الآخر) *، والآية الأولى بيان لما جرى بينهم وبين المؤمنين، وتكون القضية الشرطية الأولى توطئة وتمهيدا للقضية الثانية، وأنهم حالهم هكذا،