وأما نفس سورة البقرة فهي خارجة عنه وملتحقة به بدلالة أخرى، وأما سائر السور الآتية بعد ذلك فهي بعدما نزلت تندرج في مفاد الآية، لما أشير إليه أنها كالقضايا الحقيقية، ليست قضية خارجية، وأما قبل نزولها فلا معنى للإيمان بها، فما اشتهر من أن المراد هو الإيمان بكل القرآن، في غير محله.
البحث الثالث حول * (ما أنزل من قبلك) * ربما يخطر بالبال أن يقال: إن الطبع كان على أن تنزل الآية هكذا:
" والذين يؤمنون بما انزل إليك وما أنزلناه من قبلك "، لقوله تعالى: * (ومما رزقناهم ينفقون) *.
وقال أبو حيان: وهو عندي من الالتفات، فخرج من المتكلم إلى الغائب (1).
وفيه مالا يخفى، لأن البحث حول وجه الالتفات لو صح مثله، ومجرد كونه من الالتفات عنده لا يكفي لحمل الكلام الإلهي عليه.
أقول: سيظهر سر الإتيان بصيغة المجهول في بحوث عقلية - إن شاء الله تعالى - فإن من الممكن أن يستدل بعض القاصرين بهذه الآية على أن حديث " امتناع صدور الكثير من الواحد " مما لا أصل له، نظرا إلى ما يتراءى منها من صدور الكتب الكثيرة منه تعالى.