فأما أبو حنيفة فلا بد له من تخصيص أيضا وحمله على الدم والبول الكثيرين، لأنه لا يوجب غسل القليلين (١) منهما (٢)، لأنه يرى أن بول الرضيع طاهر، ويعدل عن ظاهره أيضا، لأنه لا يوجب غسل المني وإنما يوجب فركه، فقد أجمعنا كلنا على تخصيص هذا الخبر.
ويقال لهم في الخبر الثاني قد روي هذا الخبر على خلاف ما حكيتم لأنه روي أنه كان لا يتنزه من بوله (٣). وروي أيضا أنه كان لا يستبرئ من البول (٤)، والاستبراء من البول يختص ببوله لا بول غيره.
وليس لهم أن يخالفوا في ذلك، فيقولوا: إن الاستبراء هو التباعد، وقد يلزمه التباعد والتنزه عن بوله وبول غيره، ولهذا يقال: استبرأت الأمة: إذا تباعدت عنها لتعرف براءة رحمها.
وذلك أن الاستبراء لا معتبر فيه بأصل وضع اللغة إذا كان في عرف الشرع قد استقر على فائدة مخصوصة، فقد علمنا أن القائل إذا قال: فلان لا يستبري من البول أو استبرأ من البول لا يفهم عنه إلا بوله دون بول غيره.
على أن ظاهر الخبر لو كان عاما على ما رووه لوجب تخصيصه بالأدلة التي ذكرناها.
على أن في هذا الخبر ما يقتضي الإختصاص ببول ما لا يؤكل لحمه، لأنه يتضمن الوعيد وذكر العذاب، وعند من خالفنا أن مسائل الاجتهاد لا يستحق فيها الوعيد.
فإن قالوا: لم يلحق الوعيد من حيث لم يتنزه فقط بل من حيث لم يتنزه