ولا غرو في أن يكون مقتضى معناها الأصلي هو ما أفاد، ومقتضى معناها الشرعي عدم الملكة، بل محض حسن الظاهر.
ويرشدك إلى ما قلنا أن الشجاعة وأضرابها صفات مفردة لا إشكال في حصول ملكتها لبعض الناس، بخلاف العدالة، فإن تحققها يقتضي تحقق ملكات عديدة، وهو عسير جدا.
وبتقرير آخر: إن بعض الصفات ربما يتحقق بمقتضى بعض الطباع، والغالب في الصفات المعرفة (1)، وذلك فإن الإنسان إذا كان دموي الطبع يكون شجاعا ويحصل له ملكة الشجاعة بلا عسر وكلفة، وكذا ملكة الجبن للسوداوي، وحدة الذهن للصفراوي، والبلادة للبلغمي.
وملكة الصفة المنافية للطبع لا تحصل إلا بعد تعب شديد وكلفة عظيمة واعتياد شديد يغلب على مقتضى الطبع؛ والعدالة ليست من الصفات الطبعية حتى يظن يسر حصول ملكتها، بل هي مما عينه الشارع، وليس مدخل للطبع الحيواني، وإنما يحصل بمحض اعتياد، بل وهي تتضمن الاجتناب عن الأضداد بحسب الطبع، فإن رب طبع يغلب فيه الغضب؛ لما فيه من القوة الغضبية طبعا، فيكون قهر القوة الغضبية عليه أصعب من غلبته وقهره قوته الشهوانية مثلا، وبعضه بالعكس، فحصول ملكة ترك الجميع له على السواء مما يستبعد جدا ولا يحصل إلا بعد الاعتياد مدة مديدة، حتى يقسر ذلك مقتضى طبعه ويقهره.
والعادة لا تتحقق إلا بعد تكرر شيء مرة بعد أولى، وكرة غب أخرى، ولذا قيل:
إن أقل ما يحصل به الاعتياد وقوع شيء ثلاث مرات؛ ومن المعاصي ما لم يخطر على بال، فكيف يظن اعتياده بتركه، وحصول الملكة له بذلك؟!
والقياس منهدم الأساس، والفارق موجود، والجامع معدوم مفقود، فتأمل وتدبر.
ولعلك دريت مما أسلفنا أن إرادة معنى الملكة منها بمناسبة معناها الأصلي