قال محمد بن إدريس: سألني شيخنا محمود بن علي بن الحسين الحمصي المتكلم الرازي رحمه الله عن معنى هذا الحديث وكيف القول فيه، فقلت: الحبيس معناه الملك المحبوس على بني آدم من بعضنا على بعض مدة حياة الحابس دون حياة المحبوس عليه، فإذا مات الحابس فإن الملك المحبوس يكون ميراثا لورثة الحابس وينحل حبسه على المحبوس عليه فقضى ع برده إلى ملك الورثة لأنه ملك مورثهم، وإنما جعل منافعه مدة حياته للمحبوس عليه دون رقبته فلما مات بطل ما كان جعله له وزال الحبس فهو ملك من أملاكه فيرثه ورثته عنه بعد موته كما يرث سائر أملاكه فأنفد المواريث عليه السلام فيه على ما تقتضيه شريعة الاسلام، فأما إذا كان الحبيس على مواضع قرب العبادات مثل الكعبة والمشاهد والمساجد فلا يعاد إلى الأملاك ولا ينفد فيه المواريث لأنه بحبسه على هذه المواضع خرج عن ملكه عند أصحابنا بغير خلاف بينهم فيه فلأجل هذا قلنا: على بني آدم بعضنا على بعض، احترازا من الحبيس الذي على مواضع العبادات.
فأعجبه ذلك وقال: كنت لم أتطلع إلى المقصود فيه وحقيقة معرفته، وكان منصفا غير مدع لما لم يكن عنده معرفة حقيقته ولا من صنعته وحقا ما أقول لقد شاهدته على خلق قل ما يوجد في أمثاله من عوده إلى الحق وانقياده إلى ربقته وترك المراء ونصرته كائنا من كان صاحب مقالته وفقه الله وإيانا لمرضاته وطاعته.
وروى يونس بن عبد الرحمن عن منصور بن حازم - بالحاء غير المعجمة - عن أبي عبد الله ع قال: قلت: عشرة كانوا جلوسا ووسطهم كيس فيه عشرة ألف درهم فسأل بعضهم بعضا: أ لكم هذا الكيس؟ فقال كلهم: لا، فقال واحد منهم: هو لي، فلمن هو؟ قال: للذي ادعاه.
قال محمد بن إدريس رحمه الله: فقه هذا الخبر صحيح وليس هذا مما أخذه بمجرد دعواه وإنما لم يثبت له صاحب سواه، واليد على ضربين: يد مشاهدة ويد حكمية، فهذا يده عليه يد حكمية لأن كل واحد منهم نفى يده عنه وبقي يد من ادعاه عليه يد حكمية، ولو قال كل واحد من الجماعة في دفعة واحدة أو متفرقا: هو لي، لكان الحكم فيه غير ذلك، وكذلك لو قبضه واحد من الجماعة ثم ادعاه غيره لم يقبل دعواه بغير بينة لأن اليد المشاهدة عليه لغير من ادعاه، والخبر الوارد في الجماعة أنهم نفوه عن أنفسهم ولم يثبتوا لهم عليه يدا لا من طريق الحكم ولا من طريق المشاهدة، ومن ادعاه له عليه يد من طريق