مع ذلك الغرر به.
فإذا استذم قوم من المشركين قوما من المسلمين فأشار المسلمون إليهم: أنكم لا أمان لكم عندنا، فظنوا أنهم قد أمنوا لهم فدخلوا إليهم لم يجز التعرض لهم بل يردون إلى مأمنهم فإذا حصلوا به صاروا حربيا.
وإذا كان مسلم في دار الحرب أسيرا أو مطلقا فأعطى الأمان لبعض المشركين لم يجز أمانه، وكذلك لو آمن بعض المسلمين بعض المشركين من بعد الهزيمة وفي حال التمكن منهم والظفر بهم لم يجز هذا الأمان أيضا.
والأمان جائز بكل لسان - عبارة أو إشارة - إذا فهم المخاطب به معناه، ولفظ الأمان هو: أجرتك أو آمنتك أو ذممت لك، فإن قال: لا بأس عليك أو لا تخف أو لا تذهل أو ما عليك خوف، أو ما أشبهه أو كلمه أو قال ما معناه بلغة أخرى. فإن علم من قصده أنه أراد الأمان كان ذلك أمانا لأن المراعي هاهنا القصد لا اللفظ، فإن لم يقصد ذلك ودخل إليه لم يجز التعرض له بسوء لأنه دخل على شبهته ويجب أن يرد إلى مأمنه فإذا حصل به صار حربا كما ذكرنا في غيره فيما تقدم.
وإذا كان بعض المشركين في حصن فقال واحد منهم للمسلمين: أعطوني أمانا على أن أفتح لكم الحصن، فأعطوه الأمان فقال لأصحابه: قد أخذت الأمان لكم، ففتحوا الحصن نظر في أمرهم. فإن كان المسلمون علموا بما فعل صاحبهم معهم لم يجز لهم أن يفعلوا معهم ما يجوز فعله بهم لو فتحوا الحصن عنوة من سبي وغيره، وإن لم يكونوا علموا ذلك فعلوا بهم ما يجوز لهم لو فتحوه عنوة لم يكن عليهم شئ لأن ذلك غرر من صاحبهم لا من المسلمين إلا أنه إذا علموا ذلك استحب لهم أن لا يسبوهم ويجزونهم في أن يكونوا ذمة في دار الاسلام أو يمضوا حيث شاءوا بأنفسهم وذراريهم من غير شئ يستعينون به على قتال المسلمين من سلاح وما أشبهه.
وإذا دخل الحربي دار الاسلام في تجارة بأمان رجل من المسلمين على نفسه وجميع أسبابه كان آمنا على نفسه وماله وعلى من يكون في صحبه من قرابة وغيرها سواء خرجوا مجتمعين في دفعة واحدة أو متفرقين.