إمام المسلمين بها الذي من عليهم بالإعفاء عن القتل. وقيل: الجزية عطية عقوبة مما وظفه رسول الله على أهل الذمة، وهو على وزن جلسة وقعدة لنوع من الجزاء.
وقوله تعالى: " عن يد " أي عن يد متوانية غير ممتنعة، ويعطونها عن يد أي نقد غير نسيئة لا مبعوثا على يد أحد ولكن عن يد المعطى إلى يد الآخذ، هذا إذا أريد به يد المعطى، وإن أريد به يد الآخذ فمعناه حتى يعطوها عن يد قاهرة مستولية أو عن إنعام عليهم لأن قبول الجزية منهم وتركهم أحياء نعمة عظيمة عليهم، يعني يؤخذ منهم على الصغار والذل وهو أن يأتي بها ماشيا ويسلمها وهو قائم والمسلم جالس.
فصل:
فإن قيل: إعطاء الجزية منهم طاعة أو معصية فإن كان طاعة وجب أن يكونوا مطيعين وإن كان معصية فكيف أمر الله بها؟
قلنا: إعطاؤهم ليس بمعصية، وأما كونها طاعة لله فليس كذلك لأنهم إنما يعطونها دفعا لقتل أنفسهم وفدية لاستعباده لهم لا طاعة لله، فإن الطاعة لا تقع من الكافر بحال عندنا وإنما أمر الله بذلك لما علم تعالى فيه من المصلحة في إقرار أهل الكتاب على طريقتهم، ومنع ذلك من غيرهم لأن أهل الكتاب مع كفرهم يقرون بألسنتهم بالتوحيد وببعض الأنبياء وإن لم يكونوا على الحقيقة عارفين وغيرهم من الكفار يجحدون ذلك كله فذلك فرق بين أهل الكتاب وسائر المشركين ممن عداهم.
والآية تدل على صحة مذهبنا في اليهود والنصارى وأمثالهم أنهم لا يجوز أن يكونوا عارفين بالله وإن أقروا بذلك بلسانهم، وإنما يجوز أن يكونوا معتقدين لذلك اعتقادا ليس بعلم.
والآية صريحة بأن هؤلاء الذين هم أهل الكتاب الذين يؤخذ منهم الجزية لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر وإنه يجب قتالهم حتى يعطوا الجزية، واعتقاد اليهود لشريعة موسى ع إنما يوصف بأنه غير حق اليوم لأحد أمرين: أحدهما أنها نسخت فالعمل بها بعد النسخ باطل غير حق، الثاني أن التوارة التي معهم مبدلة مغيرة لقوله تعالى: