يحرفون الكلم عن مواضعه.
وأهل الكتاب بلا خلاف هم اليهود والنصارى لقوله تعالى: أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا، وقول النبي ع في المجوس: أجروهم مجرى أهل الكتاب لأن لهم شبهة كتاب، فقد كان للمجوس كتاب فحرقوه على ما ورد في أخبارنا.
فصل:
فإن قيل: فقد قال تعالى: لا إكراه في الدين، ثم قال: وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله، فأي إكراه أعظم من أن يؤمر بالقتال حتى يسلم؟
قلنا: لأن لكل واحدة من الآيتين وجها حسنا ومعنى لا يناقض معنى الأخرى فإن معنى قوله: لا إكراه في الدين، أي لم يجر الله أمر الإيمان على القسر والإجبار ولكن على التمكن والاختيار، ونحوه قوله تعالى: ولو شاء ربك لأمن من في الأرض كلهم جميعا أ فأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين، وهذه المشيئة أيضا مشيئة القسر والإلجاء، وحرف الاستفهام إنما أورده إعلاما بأن الإكراه ممكن وإنما الشأن في المكره من هو؟ وما هو إلا هو تعالى وحده لأنه هو القادر على أن يفعل في قلوبهم ما يضطرون عنده إلى الإيمان.
وأما قوله تعالى: وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة، أي شرك، ويكون الدين كله لله خالصا أمر تعالى لعزة الاسلام بإذلال أهل الكفر حتى تجري الشريعة على ما يرضاها الله ظاهرة وأفعال الجوارح لا مدخل لها في أن تكون من حدود الدين والإيمان، وإنما هي زينة وحلية للمؤمن المتدين على أن الكفار لا يرضون رأسا برأس، فإنهم لما عجزوا عن الغلبة بالحجة طلبوا بوار الاسلام والمسلمين بالقهر والغلبة بالقوة فأمرهم الله بمجاهدتهم ليذعنوا للإسلام.
فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين، والمعنى فإن امتنعوا من الكفر و انقادوا فلا قتل إلا على الكافرين المقيمين على الكفر، وسمي القتل عدوانا مجازا من حيث كان