فإن قيل: كيف يجوز تمني الشهادة وفي تمنيها تمني غلبة الكافر على المؤمن؟
قلنا: قصد متمني الشهادة إلى نيل كرامة الشهداء لا غير فلا يذهب وهمه إلى ذلك المتضمن، كما أن من يشرب دواء الطبيب النصراني قاصدا إلى حصول المأمول من الشفاء ولا يخطر بباله أن منه جر منفعة وإحسان إلى عدو الله وتنفيقا لصناعته، وإذا ثبت ذلك فتمنيهم الشهادة إنما هو بالصبر على الجهاد إلى أن يقتلوا لا بقتل المشركين لهم وإرادتهم ذلك.
باب المهادنة:
وقوله تعالى: إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئا ولم يظاهروا عليكم أحدا فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم.
الهدنة والمعاهدة واحدة، وهي وضع القتال وترك الحرب إلى مدة من غير عوض، وذلك جائز لقوله تعالى: وإن جنحوا للسلم فاجنح لها، وقد صالح النبي ص قريشا بالحديبية على ترك القتال عشر سنين، فإذا ثبت جوازه فإن كان في الهدنة مصلحة للمسلمين ونظر لهم في أن يرجو الإمام منهم الدخول في الاسلام أو بذل الجزية فعل ذلك، وإذا لم يكن للمسلمين مصلحة بأن يكون العدو ضعيفا قليلا وإذا ترك قتالهم اشتدت شوكتهم وقووا فلا تجوز الهدنة لأن فيها ضررا على المسلمين.
وإذا هادنهم في الموضع الذي يجوز فيجوز أن يهادنهم أربعة أشهر بنص القرآن وهو قوله: فسيحوا في الأرض أربعة أشهر، ولا يجوز إلى زيادة عليها بلا خلاف لقوله تعالى:
فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم، فاقتضى ذلك قتلهم بكل حال، وخرج قدر الأربعة الأشهر بدليل الآية الأولى وبقي ما عداه على عمومه، هذا إذا كان الإمام مستظهرا على المشركين، فإن كانوا هم مستظهرين لقوتهم وضعف المسلمين - أو كان العدو بالبعد منهم وفي قصدهم التزام مؤمن كثيرة - فيجوز أن يهادنهم إلى عشر سنين لأن النبي ص هادن قريشا إلى عشر سنين ثم نقضوها هم من قبل نفوسهم.