فصل:
وقوله تعالى: أوفوا بالعقود، يدل على أن الإمام إذا عقد لعدو من المشركين عقد الهدنة إلى مدة فعليه الوفاء إلى انقضاء تلك المدة، فإن خالف جميعهم في ذلك انتقضت الهدنة، وإن خالف بعضهم ولم يكن منهم إنكار بقول أو بفعل كان نقضا للهدنة في حق جميعهم، وإن كان منهم إنكار لذلك كان الباقون على صلحه دون المناقضين، وإذا خاف الإمام من المهادنين خيانة جاز له أن ينقض العهد لقوله تعالى: وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء.
ولا تنتقض الهدنة بنفس الخوف بل للإمام نقضها، فإذا نقضها ردهم إلى مأمنهم لأنهم دخلوا إليه من مأمنهم، وقد أمر الله تعالى بهذه الآية نبيه ص أنه متى خاف ممن بينه وبينه عهد خيانة أن ينبذ إليه عهده على سواء، أي على عدل، وقيل: على استواء في العلم به أنت وهم في أنكم حرب لئلا يتوهموا أنك نقضت العهد بنصب الحرب.
فإن قيل: كيف جاز نبذ العهد ونقضه بالخوف من الخيانة؟
قلنا: إنما فعل ذلك لظهور أمارات الخيانة التي دلت على نقض العهد ولم يشتهر ولو اشتهرت لم يجب النبذ.
باب ذكر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
قال الله تعالى: ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر.
" ولتكن " أمر لأن لام الإضافة لا تسكن.، وتسكين اللام يؤذن أنه للجرم.
وقوله تعالى: " منكم " - من - للتبعيض عند أكثر المفسرين لأن الأمر بإنكار المنكر والأمر بالمعروف متوجه إلى فرقة منهم غير معينة لأنه فرض على الكفاية فأي فرقة قامت به سقط عن الباقين. وقال الزجاج: وليكن جميعكم، و " من " دخلت ليحض المخاطبين من سائر الأجناس كما قال: فاجتنبوا الرجس من الأوثان، فعلى هذا الأمر