فأما منا بعد وإما فداءا، وهو قول ابن عباس وقتادة.
فإن قيل: كيف يكون القتل فيهم كان أصلح وقد أسلم منهم جماعة، ومن علم الله من حاله أنه يصير مؤمنا يجب تبقيته.
قلنا: من يقول أن تبقيته واجبة، يقول أن الله أراد أن يأمرهم بأخذ الفداء، وإنما عاتبهم على ذلك لأنهم بادروا إليه قبل أن يؤمروا به.
فصل:
فإن قيل: هل كان الجهاد واجبا على أهل كل ملة أم لا؟
قلنا: الزجاج استدل بقوله تعالى: إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرءان، على أن الجهاد كان واجبا على أهل كل ملة لعموم اللفظ فيها، ويدل عليه أيضا قوله تعالى: ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع، أيام شريعة عيسى ع " وبيع " في أيام شرع موسى ع " ومساجد " في أيام شريعة محمد ص. ويدل عليه أيضا قوله تعالى: أ لم تر إلى الملأ من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله، وكان سبب سؤالهم هذا استذلال الجبابرة من الملوك الذين كانوا في زمانهم إياهم، وأنكروا لما بعث الله لهم طالوت ملكا فإنه لم يؤت سعة من المال، فرد الله عليهم: إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم، أي هو أولى بالملك فإنه أعلم وأشجع منكم، وهذا يدل على أن من شرط الإمام أن يكون أعلم رعيته.
ثم قال تعالى: وقال لهم نبيهم إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة، فنص عليه بالمعجز، وهذا يدل على أن الإمام يجب أن يكون منصوصا عليه، إلى أن قال:
ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض، أي يدفع الله بالبر عن الفاجر الهلاك.