المطلب الرابع: في المهادنة:
وهي المعاهدة على ترك الحرب مدة من غير عوض وهي جائزة مع المصلحة للمسلمين وواجبة مع حاجتهم إليها إما لقلتهم أو لرجاء إسلامهم مع الصبر أو ما يحصل به الاستظهار فإن لم تكن حاجة ولا مضرة لم تجب الإجابة بل ينظر إلى الأصلح فإن كان في طرف الترك لم تجز المهادنة.
وإنما يتولاها الإمام أو من نصبه لذلك ويشترط خلوها عن شرط فاسد كشرط ترك مسلم أو ماله في أيديهم وشرط دفع مال إليهم إلا مع الخوف والتظاهر بالمناكير وإعادة المهاجرات، ثم إن لم يكن الإمام مستظهرا لضعف المسلمين وقوة شوكة العدو لم تتقدر المدة بل بحسب ما يراه ولو عشر سنين، ولو انعكس الحال لم يجز الزيادة على سنة لقوله تعالى: فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين، ويجوز إلى أربعة أشهر لقوله تعالى: فسيحوا في الأرض أربعة أشهر، وفيما بينهما خلاف أقربه اعتبار الأصلح. ولو عقد مع الضعف على أزيد من عشر سنين بطل الزائد، ولا بد من تعيين المدة فلو شرط مدة مجهولة لم يصح ولو أطلقها بطلت الهدنة إلا أن يشترط الخيار لنفسه في النقض متى شاء.
وحكم العقد الصحيح وجوب الوفاء به إلى آخر المدة أو إلى أن يصدر منهم خيانة وعلموها فإن لم يعلموا أنه خيانة فينذر ولا يغتال، ولو استشعر الإمام خيانة جاز له أن ينبذ العهد إليهم وينذرهم ولا يجوز نبذ الجزية بمجرد التهمة، ولو شرط مع الضعف عشر سنين فزال الضعف وجب الوفاء بالشرط.
وحكم الفاسد ألا يغتال إلا بعد الإنذار ويجب الوفاء بالشرط الصحيح، والعادة أن يشرط رد من جاءنا منهم عليهم وهو سائغ إلا في المرأة إذا جاءت مسلمة ومن لا يؤمن أن يفتن عن دينه إذا جاء مسلما لقلة عشيرته، ولو أمنا أن يفتنوه عن دينه لكثرة رهطه جاز رده.
فإذا هاجرت منهم امرأة مسلمة لم يجز ردها وإن كانت ذات عشيرة إذ رهطها لا يمنعوها عن التزويج بالكافر بخلاف الرجل، فإذا هاجرت وأسلمت لم ترد على زوجها فإن طلبها زوجها دفع إليه ما سلمه إليها من مهر خاصة دون غيره من نفقة وهبة، ولو