حرف فعلنا ذلك، وهو من باب التمثيل، يعني فعلنا ذلك فعل من يريد أن يعلم من الثابت على الإيمان منكم من غير الثابت، وإلا فالله لم يزل عالما بالأشياء قبل كونها.
والثاني: أن تكون العلة محذوفة، " وليعلم " عطف عليه، معناه وفعلنا ذلك ليكون كيت وكيت وليعلمهم علما، فتعلق به الجزاء وهو أن يعلمهم موجودا منهم الثبات، وإنما حذف للإيذان بأن المصلحة فيما فعل ليست بواحدة ليسليهم عما جرى عليهم وليبصرهم أن العبد يسوؤه ما يجري عليه من المصائب ولا يشعر أن الله في ذلك من المصالح ما هو غافل عنه.
ويتخذ منكم شهداء، أي وليكرم ناسا منكم بالشهادة يريد المستشهدين يوم أحد وليصفيهم من الذنوب.
" ويمحق الكافرين " يعني إن كانت الدولة على المؤمنين فللاستشهاد والتمحيص وغير ذلك مما هو أصلح لهم، وإن كانت على الكفار فلمحقهم ومحو آثارهم.
فصل:
ثم قال تعالى: أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم، " أم " منقطعة، ومعنى الهمزة فيها الانكار، ومعنى: لما يعلم الله، أي لما تجاهدوا لأن العلم يتعلق بالمعلوم، فنزل نفي العلم منزلة نفي متعلقه لأنه منتف بانتفائه، يقول القائل: ما علم الله في فلان خيرا، يريد ما فيه خير حتى يعلمه.
ثم خاطب الذين لم يشهدوا بدرا فقال: ولقد كنتم تمنون الموت، وكانوا يتمنون أن يحضروا مشهدا مع النبي ع ليصيبوا من كرامة الشهادة ما نال شهداء بدر، وهم ألحوا على رسول الله ص في الخروج إلى المشركين، وكان رأيه في الإقامة بالمدينة للوحي به. يعني وكنتم تتمنون الموت قبل أن تشاهدوه وتعرفوا شدته " فقد رأيتموه وأنتم تنظرون " أي رأيتموه معاينين مشاهدين له حين قتل من قتل من إخوانكم وأقاربكم وشارفتم أن تقتلوا، وهذا توبيخ لهم على تمنيهم الموت وعلى ما تسببوا له من خروج رسول الله ص بإلحاحهم عليه ثم انهزامهم عنه وقلة ثباتهم عنده.