وهذه رواية شاذة مخالفة لأصول مذهب أصحابنا أوردها شيخنا أبو جعفر في نهايته في باب الزيادات، وهذا يدل على وهنها عنده لأنه لا خلاف بين المسلمين أن كل من قاتل من المسلمين فإنه من جملة المقاتلة وأن الغنيمة للمقاتلة وسهمه ثابت في ذلك فلا يخرج من هذا الاجماع إلا بإجماع مثله أو دليل مكاف له ولا يرجع فيه إلى أخبار آحاد لا توجب علما ولا عملا.
باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومن له إقامة الحدود والقضاء والحكم بين المختلفين ومن ليس له ذلك:
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبان بلا خلاف بين الأمة وإنما الخلاف في هل يجبان عقلا أو سمعا فقال الجمهور من المتكلمين والمحصلين من الفقهاء: إنهما يجبان سمعا وإنه ليس في العقل ما يدل على وجوبهما وإنما علمناه بدليل الاجماع من الأمة وبأي من القرآن والأخبار المتواترة، فأما ما يقع منه على وجه المدافعة فإنه يعلم وجوبه عقلا لما علمناه بالعقل من وجوب دفع المضار عن النفس فذلك لا خلاف فيه وإنما الخلاف فيما عداه.
وهذا هو الذي يقوى في نفسي والذي يدل عليه هو أنه لو وجبا عقلا لكان في العقل دليل على وجوبهما وقد سبرنا أدلة العقل فلم نجد فيها ما يدل على وجوبهما ولا يمكن العلم الضروري في ذلك لوجود الخلاف فيه، وهذا القول خيره السيد المرتضى، وقال قوم:
طريق وجوبهما العقل، وإلى هذا المذهب يذهب شيخنا أبو جعفر الطوسي رضي الله عنه في كتابه الاقتصاد بعد أن قوى الأول واستدل على صحته بأدلة العقول، ثم قال رحمه الله: ويقوى في نفسي أنه يجب عقلا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال: لما فيه من اللطف ولا يكفي فيه العلم باستحقاق الثواب والعقاب، قال: لأنا متى قلنا ذلك لزمنا أن الإمامة ليست واجبة بأن يقال: يكفي العلم باستحقاق الثواب و العقاب وما زاد عليه في حكم الندب وليس بواجب، قال رحمه الله: فالأليق بذلك أنه واجب، ثم قال رحمه الله: واختلفوا في كيفية وجوبهما فقال الأكثر: إنهما من فروض الكفاية إذا قام به البعض سقط عن الباقين، وقال قوم: هما من فروض الأعيان، ثم قال رحمه الله: وهو الأقوى عندي لعموم آي القرآن والأخبار.