قال محمد بن إدريس مصنف هذا الكتاب: والأظهر بين أصحابنا أنهما من فروض الكفاية إذا قام به البعض سقط عن الباقين وهو اختيار السيد المرتضى.
والأمر بالمعروف على ضربين: واجب وندب. فالأمر بالواجب منه واجب والأمر بالمندوب مندوب لأن الأمر به لا يزيد على المأمور به نفسه. والنهي عن المنكر لا ينقسم بل كله قبيح والنهي عنه كله واجب، والنهي عن المنكر له شروط ستة: أحدها: أن يعلمه منكرا وثانيها: أن يكون هناك أمارة الاستمرار عليه وثالثها: أن يظن أن إنكاره يؤثر أو يجوزه ورابعها: أن لا يخاف على نفسه وخامسها: ألا يخاف على ماله وسادسها:
أن لا تكون فيه مفسدة. وإن اقتصرت على أربعة شروط كان كافيا لأنك إذا قلت: لا يكون فيه مفسدة، دخل فيه الخوف على النفس والمال لأن ذلك كله مفسدة.
والغرض بإنكار المنكر ألا يقع فإذا أثر القول والوعظ في ارتفاعه اقتصر عليه ولا يجوز حينئذ باليد، وإن لم يؤثر وجب باليد بأن يمتنع منه ويدفع عنه وإن أدى ذلك إلى إيلام المنكر عليه والإضرار به وإتلاف نفسه بعد أن يكون القصد ارتفاع المنكر وألا يقع من فاعله ولا يقصد إيقاع الضرر به.
قال شيخنا أبو جعفر في كتابه الاقتصاد: غير أن ظاهر مذهب شيوخنا الإمامية أن هذا الجنس من الانكار لا يكون إلا للإمام أو لمن يأذن له الإمام فيه، ثم قال رحمه الله:
وكان المرتضى رحمه الله يخالف في ذلك ويقول: يجوز فعل ذلك بغير إذنه لأن ما يفعل بإذنهم يكون مقصودا وهذا بخلاف ذلك لأنه غير مقصود وإنما قصده المدافعة والممانعة من وقع ضرر فهو غير مقصود. هذا آخر كلام شيخنا أبي جعفر الطوسي في الاقتصاد، وما ذهب سيدنا المرتضى رضي الله عنه إليه هو الأقوى وبه أفتى وقد رجع شيخنا أبو جعفر الطوسي إلى قول المرتضى في كتاب التبيان وقواه ونصره وضعف ما عداه، وإلى ما ذهب في الاقتصاد ذهب في النهاية. فقال في نهايته: وقد يجب إنكار المنكر بضرب من الفعل وهو أن يهجر فاعله ويعرض عنه وعن تعظيمه ويفعل معه من الاستخفاف ما يرتدع معه من المناكير فإن خاف الفاعل للإنكار باللسان ضررا اقتصر على الانكار بالقلب حسب ما قدمناه في المعروف سواء.
فأما إقامة الحدود فليس يجوز لأحد إقامتها إلا لسلطان الزمان المنصوب من قبل الله