تعالى أو من نصبه الإمام لإقامتها، ولا يجوز لأحد سواهما إقامتها على حال، وقد رخص في حال قصور أيدي أئمة الحق وتغلب الظالمين أن يقيم الانسان الحد على ولده وأهله ومماليكه إذا لم يخف في ذلك ضررا من الظالمين وأمن بوائقهم.
قال محمد بن إدريس مصنف هذا الكتاب: والأقوى عندي أنه لا يجوز له أن يقيم الحدود إلا على عبده فحسب دون ما عداه من الأهل والقرابات لما قد ورد في العبد من الأخبار واستفاض به النقل بين الخاص والعام.
وقد روي: أن من استخلفه سلطان ظالم على قوم وجعل إليه إقامة الحدود جاز له أن يقيمها عليهم على الكمال ويعتقد أنه إنما يفعل ذلك بإذن سلطان الحق لا بإذن سلطان الجور، ويجب على المؤمنين معونته وتمكينه من ذلك ما لم يتعد الحق في ذلك وما هو مشروع في شريعة الاسلام، فإن تعدى ما جعل إليه الحق لم يجز له القيام به ولا لأحد معاونته على ذلك.
والأولى في الديانة ترك العمل بهذه الرواية بل الواجب ذلك.
قال محمد بن إدريس مصنف هذا الكتاب: والرواية أوردها شيخنا أبو جعفر في نهايته وقد اعتذرنا له فيما يورده في هذا الكتاب - أعني النهاية - في عدة مواضع وقلنا:
إنه يورده إيرادا من طريق الخبر لا اعتقادا من جهة الفتيا والنظر لأن الاجماع حاصل منعقد من أصحابنا ومن المسلمين جميعا: أنه لا يجوز إقامة الحدود ولا المخاطب بها إلا الأئمة والحكام القائمون بإذنهم في ذلك فأما غيرهم فلا يجوز له التعرض بها على حال.
ولا يرجع عن هذا الاجماع بأخبار الآحاد بل بإجماع مثله أو كتاب الله تعالى أو سنة متواترة مقطوع بها.
فإن خاف الانسان على نفسه من ترك إقامتها فإنه يجوز له أن يفعل في حال التقية ما لم يبلغ قتل النفوس فلا يجوز فيه التقية عند أصحابنا بلا خلاف بينهم.
وأما الحكم بين الناس والقضاء بين المختلفين فلا يجوز أيضا إلا لمن أذن له سلطان الحق في ذلك وقد فوضوا ذلك إلى فقهاء شيعتهم المأمونين المحصلين الباحثين عن مأخذ الشريعة الديانين القيمين بذلك في حال لا يتمكنون فيه من توليته بنفوسهم، فمن تمكن