المرتد، وكيف يكون مرتدا وهو يشهد الشهادتين ويقوم بالعبادات؟
قلنا: ليس يمتنع أن يكون الباغي له حكم المرتد في الانسلاخ عن الإيمان واستحقاق العقاب العظيم وإن كانت أحكامه الشرعية في مدافنه وموارثه وغير ذلك تخالف أحكام المرتد كما كان الكافر الذمي مشاركا للحربي في الكفر والخروج عن الإيمان وإن اختلفت أحكامهما الشرعية، فأما إظهار الشهادتين فليس بدال على كمال الإيمان ألا ترى أن من أظهرهما وجحد وجوب الفرائض والعبادات لا يكون مؤمنا بل كافرا، وكذلك إقامة بعض العبادات من صلاة وغيرها ومن جحد أكبر العبادات وأوجبها من طاعة إمام زمانه ونصرته لم ينفعه أن يقوم بعبادة أخرى من صلاة وغيرها.
وأما ما يذهب إليه قوم من غفلة الحشوية من عذر الباغي وإلحاقه بأهل الاجتهاد فمن الأقوال البعيدة من الصواب، ومن المعلوم ضرورة أن الأمة أطبقت في الصدر الأول على ذم البغاة على أمير المؤمنين ع ومحاربته والبراءة منهم، ولم يقم لهم أحد في ذلك عذرا، وهذا المعنى قد شرحناه في كتبنا وفرعناه وبلغنا فيه النهاية وهذه الجملة هاهنا كافية.
فإن اعترض المخالف على ما ذكرناه بالخبر الذي يرويه معمر بن سليمان عن عبد الرحمن بن الحكم الغفاري عن عدية بنت أهبان بن صيفي قالت: جاء على ع إلى أبي فقال: ألا تخرج معنا؟ قال: ابن عمك وخليلك أمرني إذا اختلف الناس أن أتخذ سيفا من خشب. أو بالخبر الذي يروى عن أبي ذر رحمة الله عليه أنه قال: قال رسول الله ص: كيف بك إذا رأيت أحجار الزيت وقد غرقت بالدم؟
قال: قلت: ما اختار الله لي ورسوله؟ قال: تلحق، أو قال: عليك بمن أنت منه، قال قلت: أ فلا آخذ بسيفي وأضعه على عاتقي؟ قال: شاركت القوم إذا، قال: فما تأمرني يا رسول الله؟ قال: ألزم بيتك، قلت: فإن دخل على ببيتي؟ قال: فإن خفت أن يبهرك شعاع السيف فألق رداءك على وجهك يبوء بإثمه وإثمك.
قلنا: هذان الخبران وأمثالهما لا يرجع بهما عن المعلوم والمقطوع بالأدلة عليه بلا دليل وهي معارضة بما هو أظهر منها وأقوى وأولى من وجوب قتاله الفئة الباغية ونصرة