فصل:
فإن قيل: كيف أمروا بالصلاة وهم لا يعرفون حقيقتها في الشريعة.
قيل: إنما أمروا بذلك لأنهم أحيلوا فيه على بيان الرسول ع، ووجه الحكمة فيه ظاهر لأن المكلفين إذا أمروا بشئ على الاجمال كان أسهل عليهم في أول الوهلة وادعى لهم في قبولها من أن يفصل، ثم كون المجمل المأمور به يدعوهم إلى استفسار ذلك فيكون قبول تفصيلية ألزم لهم.
ومثاله في العقليات قول أصحاب المعارف لنا: لو كنا مكلفين بالمعرفة لوجب أن نكون عالمين بصفة المعرفة لئلا يكون تكليفا بما لا يطاق. فنقول لهم: الواحد منا - وإن لم يكن عالما بصفة المعرفة - فإنه عالم بسبب المعرفة وهو النظر، فالعلم به يقوم مقام العلم بمسببه الذي هو المعرفة وصفتها، والمكلف إنما يجب أن يكون عالما بصفة ما كلف ليمكنه الإتيان به على الوجه الذي كلف، فإذا أمكنه من دونه فلا معنى لاشتراطه.
فصل:
وإقامة الصلاة أداؤها بحدودها وفرائضها كما فرضت عليهم، يقال: أقام القوم سوقهم، إذا لم يعطلوها من المبايعة، وقيل: إقامتها إدامة فرائضها، يقال للشئ الراتب قائم، وقيل: هو من تقويم الشئ، يقال: قام بالأمر، إذا أحكمه وحافظ عليه، وقيل: إنه مشتق مما فيها من القيام، ولذلك يقال: قد قامت الصلاة.
وأما الصلاة فهي الدعاء في الأصل، والصلاة اشتقاقها من اللزوم، يقال:
اصطلى بالنار، أي لزمها، وقال تعالى: تصلي نارا، وتخصصت في الشرع بالدعاء والذكر في موضع مخصوص، وقيل: هي عبارة عن الركوع والسجود على وجه مخصوص وأذكار مخصوصة، وقال أصحاب المعاني، إن معنى صلى أزال الصلاء منه وهو النار كما يقال مرض.
وفرضها على ثلاثة أقسام متعلقة بثلاثة أحوال: الحضر والسفر والضرورة، وإنما اختلفت أحكامها لاختلاف أحوالها، وبينها رسول الله ص وفصلها ونص