يقوم بها إلا الأمثل فالأمثل من الأمة، ومن تمتع بتربية إلهية وكان ذا كفاءة وجدارة على إدارة الدولة بمختلف شؤونها، وليس التعرف على مثل ذلك الإنسان أمرا يسيرا بل لا يعلمه إلا الله سبحانه والنبي صلى الله عليه وآله وسلم عن طريق إبلاغه.
وهذه هي نظرية التنصيص عند الإمامية فهم لا يرضون إلا بتنصيص النبي صلى الله عليه وآله وسلم على من يخلفه لملء الفراغ الحاصل بعد غيابه صلى الله عليه وآله وسلم عن المسرح السياسي والاجتماعي وليس في مقدرة الشورى ولا وسع البيعة العامة التعرف على ذلك الرجل المثالي والكفوء الذي يلي النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الفضائل والمناقب.
إن انتخاب الخليفة عن طريق شورى المهاجرين والأنصار أو البيعة العامة قد تعرض إليه علماء الكلام نظريا، دون أن يدخل حيز التطبيق العملي بل واقع الخلافة في صدر الإسلام أثبت خلاف ذلك، ويعرب هذا عن أن المعهود في ذلك العصر هو التنصيص لا المشاورة ولا الاستفتاء ولا بيعة عامة.
فهذا عمر بن الخطاب قد أخذ بزمام الأمور من قبل الخليفة الأول حيث قال: إني أستخلف عليكم عمر بن الخطاب (1).
كما أن الخليفة الثالث تسلم مقاليد الأمور عن طريق شورى سداسية عين أعضاءها عمر بن الخطاب (2).
روى المؤرخون أن عمر بن الخطاب لما أحس بالموت قال لابنه عبد الله:
إذهب إلى عائشة وأقرأها مني السلام واستأذن منها أن أقبر في بيتها مع رسول الله ومع أبي بكر.
فأتاها عبد الله بن عمر فأعلمها فقالت: نعم وكرامة، ثم قالت: يا بني أبلغ عمر سلامي وقل له: لا تدع أمة محمد بلا راع واستخلف عليهم ولا تدعهم بعدك