والحق هو الثاني، لما عرفت من البرهان وعليه الحكماء غير المشائيين. وعلى ضوء هذا الأصل، إذا كانت الحقيقة في مرتبة من المراتب ذات أثر خاص، يجب أن يوجد ذلك الأثر في المراتب النازلة، أخذا بوحدة الحقيقة، نعم يكون الأثر من حيث الشدة والضعف، تابعا للمؤثر من هذه الحيثية، فالوجود الواجب بما أنه أقوى وأشد، يكون العلم والدرك والحياة والتأثير فيه مثله. والوجود الإمكاني بما أن الوجود فيه أصعف يكون أثره مثله. ولأجل ذلك ذهب الإلهيون إلى القول بسريان العلم والحياة والقدرة إلى جميع مراتب الوجود الإمكاني وقد أثبتوه بهذا البرهان وحكموا بصحته من طريق الكشف والشهود، ويشهد الكتاب العزيز على صحة نظريتهم في مجال السريان العلمي والدركي إلى جميع مراتب الوجود حتى الجماد (1).
وعلى ضوء هذا الأصل، تبطل نظرية الأشاعرة المخصصة للتأثير بالواجب سبحانه، والسالبة له عن سائر المراتب زاعمة أنه مقتضى التوحيد الأفعالي، مع أنه كما يتحقق بسلب التأثير عما سواه يتحقق بتخصيص التأثير الاستقلالي بالله سبحانه وإرجاع تأثير الوجود في المراتب الإمكانية إلى إذنه ومشيئته. والثاني هو المتعين لما عرفت من البرهان.
إذا وقفت على هذه الأصول تقف على النظرية الوسطى في المقام وأنه لا يمكن تصوير فعل العبد مستقلا عن الواجب، غنيا عنه، غير قائم به، قضاء لكون الفعل وجودا إمكانيا، والوجود الإمكاني حقيقته التعلق والصلة والربط. كما أنه لا يمكن إنكار دور العبد بل سائر العلل في آثارها قضاء لحكم الأصل الثالث من أن الوجود، في أي مرتبة كان من المراتب لا يخلو عن تأثير ودخالة فيما يظهر منه من الآثار، أو يقوم به من الأفعال. فالفعل مستند إلى الواجب من جهة ومستند إلى العبد من جهة أخرى. فليس الفعل