البعض الآخر (1).
ولا يخفى أن امتناع الترجح من غير مرجح (كامتناع تحقق الممكن بلا علة) وامتناع الترجيح بلا مرجح من باب واحد، والقول بالامتناع في الأول يستلزم الامتناع في الثاني. وذاك لأن أصل الفعل كما لا يتحقق بلا علة، فكذلك الخصوصيات لا تتحقق إلا معها، فالجائع بالنسبة إلى الرغيفين والهارب بالنسبة إلى الطريقين كذلك، فكما أن صدور أصل الأكل والهرب يحتاج إلى علة، لامتناع وجود الممكن بلا سبب، كذلك تخصيص أحد الرغيفين بالأكل وترك الآخر، بما أنه أمر وجودي يحتاج إلى علة. والقول بأن وجود أصل الفعل يتوقف على علة دون خصوصية، يرجع إلى القول بوجود الممكن ولو في بعض مراتبه وتحققه بلا علة. ولأجل ذلك يقول المحققون إن مال تجويز الترجيح بلا مرجح إلى تجويز الترجح لا مرجح.
فلازم هذا الجواب أن الخصوصية لا تطلب العلة، وهذا انخرام للقاعدة العقلية، من حاجة الممكن إلى علة.
وأما التمثيل برغيفي الجائع وطريقي الهارب، فلا شك أن للفعل والخصوصية هناك مرجح وهو أن الإنسان العادي يجد في نفسه ميلا إلى جانب اليمين من كل من الرغيف والطريق، فالميل الطبيعي يكون مرجحا لانصراف الإرادة إليه دون طرف اليسار، نعم ربما ينعكس لأجل طوارئ في الواقعة تلتفت إليها النفس فتختار ما في جانب اليسار (2).