فإذا كان عمل الإنسان في هذه الحياة بذورا لما يحصده في الآخرة فلا مانع من أن تكون النتيجة دائمية والعمل آنيا أو قصير المدة. وهذا بنفسه كاف في رد الإشكال، وقد عرفه سبحانه نتيجة عمله في الآخرة وأن أعماله القصيرة سوف تورث حسرة طويلة أو دائمة وأن عمله هنا سينتج له في الآخرة أشواكا تؤذيه أو ورودا تطيبه، وقد أقدم على العمل عن علم واختيار، فلو كان هناك لوم فاللوم متوجه إليه، قال سبحانه حاكيا عن الشيطان: * (وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق وعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي إني كفرت بما أشركتموني من قبل إن الظالمين لهم عذاب أليم) * (1).
وفيما مر من الآيات التي تعد الجزاء الأخروي حرثا للإنسان تأييد لهذا النظر على أن من المحتمل أن الخلود في العذاب مختص بما إذا بطل استعداد الرحمة وإمكان الإفاضة. قال تعالى: * (بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) * (2).
ولعل قوله: * (وأحاطت به خطيئته) * إحاطتها به إحاطة توجب زوال أي قابلية واستعداد لنزول الرحمة، والخروج عن النقمة (3).
وكيف كان، فيظهر صحة ما ذكرنا إذا أمعنت النظر فيما تقدم في الجواب عن السؤال الأول وهو أن الجزاء إما مخلوق للنفس أو يلازم وجود الإنسان وفي مثله لا تجري السنة العقلية كما هو واضح.