والحق إن المسألة بديهية للغاية وما أثير حولها من الشبهات خصوصا ما ذكره الشيخ الأشعري في (اللمع) أشبه بالشبه السوفسطائية (1). ومثله ما ذكره تلاميذ مدرسته، كالتفتازاني في (شرح المقاصد). ونظام الدين القوشجي في (شرح التجريد) (2). وما ذكرناه من التفصيل هو الحاسم في البحث، ويظهر لبه من فخر الدين الرازي الذي نقله السيد الجرجاني في (شرح المواقف) (3).
وبذلك يظهر إن ما أقامته المعتزلة من البراهين على تقدم القدرة على الفعل تنبيهات على المسألة، ولا يحتاج الأمر إلى هذا التفصيل المسهب.
ولكن الذي ينبغي البحث عنه هو تبيين الحافز الذي دعى الشيخ الأشعري إلى اختيار ذلك المذهب (مقارنة القدرة للفعل). مع أن التقدم والمقارنة بالنسبة إلى ما جاء في الكتاب والسنة متساويان، فإذا يقع الكلام في تعيين الداعي إلى اختيار القول بالتقارن بل التركيز عليه.
المحتمل قويا أن يكون الداعي هو قوله بمسألة خلق أفعال العباد، وإنها خلوقة لله لا للعباد لا أصالة ولا تبعا، حتى إن القدرة الحادثة في العبد عند حدوث الفعل غير مؤثرة في إيجاده بل مقارنة له. فإذا المناسب لتلك العقيدة نفي القدرة المتقدمة على الفعل، والاكتفاء بالمقارن له، وكأن الشيخ تصور أن القدرة المتقدمة على الفعل تزاحم قدرة الله تعالى فلأجل ذلك وجد في نفسه دافعا روحيا إلى البرهنة على بطلان التقدم وإثبات التقارن.