وأما إذا كانت العقوبة أثرا وضعيا للعمل بالوجهين الآتيين، فالسؤال ساقط، لأن هناك ضرورة وجودية بين وجود المجرم والعقوبة التي تلابس وجوده في الحياة الأخروية، فعند ذلك لا يصح أن يسأل عن أن التعذيب لماذا، وإنما يتجه السؤال مع إمكان التفكيك، والوضع والرفع، كالعقوبات الاتفاقية.
ثم إن الملازمة الخارجية بين الإنسان والعقوبة تتصور على وجهين:
الأول: إن كلا من الأعمال الإجرامية أو الصالحة التي تصدر من الإنسان في عالم الطبيعة توجد في النفس ملكة مناسبة لها، بسبب تكرار العمل وممارسته. وهذه الملكات النفسانية ليست شيئا مفصولا عن وجود الإنسان، بل تشكل حاق وجوده وصميم ذاته. فالإنسان الصالح والطالح إنما يحشران بهذه الملكات التي اكتسباها في الحياة الدنيوية عن طريق الطاعة والمعصية، ولكل ملكة أثر خاص يلازمها. وإن شئت قلت: إن كل نفس مع أم اكتنفها من الملكات تكون خلافة للصور التي تناسبها، إما الجنة والروح والريحان، أو النار ولهيبها وعذابها. فعلى ذلك يكون الثواب والعقاب مخلوقين للنفس قائمين بها على نحو لا يتمكن من ترك الايجاد.
وهذا كالإنسان الصالح الذي ترسخت فيه الملكات الصالحة في هذه الدنيا، فإنه لا يزال يتفكر في الأمور الصالحة، ولا تستقر نفسه ولا تهدأ إلا بالتفكر فيها، وفي مقابله الإنسان الطالح الذي ترسخت فيه الملكات الخبيثة عن طريق الأعمال الشيطانية في الحياة الدنيوية فلا يزال يتفكر في الأمور الشريرة والرديئة، ولو أراد إبعاد نفسه عن التفكر فيما يناسب ملكتها لم يقدر على ذلك.
ويظهر من العلامة (الطباطبائي) أن الثواب والعقاب الأخرويين من الحقائق التي يكتسبها الإنسان بأعماله الصحيحة والفاسدة، وهما موجودان في هذه النشأة غير أن الأحجبة تحجز بينه وبين ما أعد لنفسه من الجنة والنار، قال: " إن ظاهر الآيات أن للإنسان في الدنيا وراء الحياة التي يعيش