الإلهيات - الشيخ جعفر السبحاني - الصفحة ٢٢٢
والنقص على الله تعالى محال. وأخرى بأن الشرع قد أخبر عن كونه صادقا وكلا الدليلين مخدوش جدا.
أما الأول، فلأنه لو قلنا بالتحسين والتقبيح العقليين، يكون النقص محالا على الله سبحانه في ناحية الذات والفعل، فذاته منزهة عن النقص، وفعله كالتكلم وأما إذا أنكرنا ذلك الأصل فلا دليل على استحالة النقص على الله سبحانه في خصوص فعله وإن كان طروء النقص على الذات محالا مطلقا. ولأجل ذلك جوز الأشاعرة الظلم عليه سبحانه، وهكذا سائر القبائح، وإن كانت لا تصدر عنه سبحانه لأجل إخباره بذلك.
وأما الثاني، فلأن الثبوت صدقه شرعا يتوقف على صدق قول النبي ولا يثبت صدقه إلا بتصديق الله سبحانه، فلو توقف تصديقه سبحانه على تصديق النبي (صلى الله عليه وآله)، لزم الدور.
ولأجل ذلك يجب أن يكون هناك دليل قاطع وراء الشرع والوحي على كونه سبحانه صادقا لا يكذب.
وهناك دليل آخر، أشار إليه بعض المعتزلة وحاصله أن كذبه ينافي مصلحة العالم، لأنه إذا جاز وقوع الكذب في كلامه تعالى ارتفع الوثوق بإخباره عن أحوال الآخرة، وفي ذلك فوات مصالح لا تحصى. والأصلح واجب عليه تعالى لا يصح الاخلال به. والمراد من كونه واجبا هو إدراك العقل أن موقفه سبحانه في ذلك المجال يقتضي اختيار الأصلح وترك غيره. (1) ولكن الدليل مبني على الأصل المقرر عند العدلية من إدراك العقل الحسن والقبح، مع قطع النظر عن جميع الطوارئ والعوارض. فعند ذلك يدرك الأصلح والصالح، أو الصالح وغير الصالح، كما يدرك لزوم اختيار الأصلح والصالح على غيرهما. ولأجل ذلك لا يكون دليلا آخر.

(1) شرح القوشجي، ص 320.
(٢٢٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 217 218 219 220 221 222 223 225 226 227 228 ... » »»
الفهرست