هذا العلم إرادة أو غيرها، فلو كان النظام الأصلح معلولا لعلمه والمفروض أن علمه قديم للزم قدم النظام لقدم علته.
وثانيا - إذا قلنا بأن إرادته سبحانه عبارة عن كونه مختارا غير ملزم بواحد من الطرفين، لا يلزم عندئذ قدم العالم إذا اختار إيجاد العالم متأخرا عن ذاته.
وثالثا - إن لصدر المتألهين ومن حذا حذوه من الاعتقاد بالإرادة الذاتية البسيطة المجهولة الكنه، أن يجيب بأن جهلنا بحقيقة هذه الإرادة وكيفية إعمالها يصدنا عن البحث عن كيفية صدور فعله عنه وأنه لماذا خلق حادثا ولم يخلق قديما.
وهاهنا نكتة نعلقها على هذا البحث بعد التنبيه على أمر وهو أن الزمان كم متصل ينتزع من حركة الشئ وتغيره من حال إلى حال ومن مكان إلى مكان ومن صورة نوعية إلى أخرى، فمقدار الحركة عبارة عن الزمان، فلولا المادة وحركتها لما كان للزمان مفهوما حقيقيا بل مفهوم وهمي.
هذا ما أثبتته الأبحاث العميقة في الزمان والحركة. وقد كان القدماء يزعمون أن الزمان يتولد من حركة الأفلاك والنيرين وغير ذلك من الكواكب السيارة، ولكن الحقيقة إن كل حركة حليفة الزمان وراسمته ومولدته. إن التبدلات عنصرية كانت أو أثيرية، مشتملة على أمرين: الأول، حالة الانتقال من المبدأ إلى المنتهى، سواء أكان الانتقال في الوصف أو في الذات. الثاني، كون ذلك الانتقال على وجه التدريج والسيلان لا على نحو دفعي.
فباعتبار الأمر الأول توصف بالحركة، وباعتبار الثاني توصف بالزمان.
فكأن شيئا واحدا باسم التغير التبدل والانتقال يكون مبدأ الانتزاع مفهومين منه، لكن كل باعتبار خاص، هذا من جانب.
ومن جانب آخر إن المادة على نحو التدريج والتجزئة ولا يصح وقوعها بنحو جمعي، لأن حقيقتها حقيقة سيالة متدرجة أشبه بسيلان الماء،