الاستطاعة الشرعية ولا يعتبر بقاؤها إلى آخر الحج بل بمجرد الاحرام يجب عليه الاتمام ولو متسكعا، فيخرج المثال عما نحن فيه إذ على فرض رجوع الباذل عن بذله بعد تلبسه بالاحرام لا يلزم منه شئ ولا رفع حكم عن موضوعه إذ على كل تقدير يجب عليه إتمام الحج فلا ملزم لبقائه على بذله من هذه الجهة، وإن قلنا إنه لا يجب عليه الاتمام بل يحرم عليه القطع على فرض بقاء الاستطاعة فيكون مثال الحج كمثال الصلاة والدفن.
ومجمل الكلام في ذلك هو أنه اختلفت كلمات الأعلام في جواز الرجوع عن إذنه بعد تلبس المأذون في الصلاة بها أو بعد دفن الميت في الأرض مع إذنه بالدفن فقيل: إنه له الرجوع، فيجب عليه قطع الصلاة ونبش القبر وقيل: إنه ليس له فلا يجوز نبش القبر وقطع الصلاة والأقوى هو الثاني الذي عليه المشهور بل حكي عليه الاجماع وذلك لأنه لا إشكال في أن المالك لو أذن في استيفاء شئ من ملكه أرضا كان أو دارا أو غيرهما وكان ما استوفاه المأذون له موضوعا لحكم شرعي لكان رجوعه عن إذنه كلا رجوع ولم يؤثر رجوعه شيئا أصلا إذ المالك إنما يكون له الرجوع بالنسبة إلى ما يأتي مما لم يستوفه المأذون له وأما بالنسبة إلى ما مضى مما استوفاه فليس له الرجوع لأن المفروض أنه وقع بإذن منه والشئ عما وقع لا يتغير وفي المقام حرمة قطع الصلاة أو نبش القبر إنما هو من آثار ما مضى ومترتب على ما سبق إذ الموضوع لحرمة الابطال إنما هو الصلاة التي قد شرع فيها على وجه صحيح. وكذا موضوع حرمة النبش إنما هو الدفن على وجه صحيح والمفروض أن الشروع في الصلاة والدفن إنما وقعا على وجه صحيح بإذن من المالك وكان استيفاء المصلي لما مضى من صلاته واقعا بإذنه واستيفاء ما مضى من الصلاة على هذا الوجه يكون موضوعا لحرمة الابطال فليس للمالك الرجوع عن إذنه لأنه يكون من الرجوع في شئ قد استوفاه المالك قبل رجوعه،